العقل العاطفي في متاهاته .. وأحاديث الجنرال حميدتي

 


 

مجدي إسحق
21 February, 2023

 

‏و يؤكد لنا علماء النفس السياسي أن العقل العاطفي هو جرثومة الوعي وهو أرضية التي يفرهد فيها الوعي المزيف والمأزوم. انه سيطرة المشاعر على التفكير فتقود إلى دوامة الحيرة والتخبط فلا تصل بالفكر إلى مرافئ الحقيقه.لأن المشاعر تحجب الرؤى حيث يغيب الوعي بالقوانين الموضوعية للواقع ويستند فقط على شحنات المشاعر المتفلته التي تبحث عن طريقة للتفريغ و التوازن الداخلي.
لقد انشغل الواقع السياسي بتصريحات الجنرال حميدتي التي أصبحت متواتره ومرتبه بصورة لاتدع مجالا للشك في أنها حملة منظمة قد خطط لها وتمت صياغتها بعناية وذكاء. بغض النظر عن الهدف من ورائها لكن الذي لاشك فيه أنها نجحت في ان يتغير السؤال من ضرورة التخلص عن الدعم السريع الى هل يمكن ان يكون لها دورا إيجابيا في عملية التغيير؟؟
‏ نجد ان حملة الجنرال تعتمد على نقاط أساسية وهي أن الانقلاب العسكري كان خطأ و إن التغيير الان ضرورة حتى تستلم السلطات المدنية الحكم مع الإشارة إلى أن هناك بعض القوى تعارض ذلك وهو سيكون منحاز القوى الثورة لتحقيق الدولة المدنية.
هذه الرسالة نجد أنها قد وجدت تفاعلا متباينا يستند على خلفية من المشاعر تتراوح بين الغضب والتفاؤل المدمر حيث نجد سيطرة الغضب على العقل العاطفي يقود إلى الإيمان بأنه هذه محاولات لا يجب الوثوق فيها ولا تسوي الانتباه إليها و إن التلويح بالانحياز للثورة هو مجرد عملية إنتهازيه للهروب من السلطة المتهالكه وبحثا عن دور جديد في السلطه القادمة يضمن فيه الحفاظ على مصالحه والافلات من العقاب. بينما نجد شريحة التفاؤل المدمر تحاول أن تتعايش مع فكرة وجود الجنرال في صفوفها دون التفكير عن دوافعه استنادا على أنه وجوده له فوائده وسيقود إلى حسم كتائب الظل وقطاعات الجيش التي ما زالت تبين بالولاء للانقاذ. حيث نجد في معسكر التفاؤل المدمر شريحة تؤمن بإحتمال انه قد رجع إلى صوابه بعد ان رأى الغدر والإستغلال والشريحة الأكبر لا تثق في ذلك ولكن تمني نفسها بالعمل معه ما دامت مصالحة أصبحت تتوافق مع خط الثوره.إن العقل العاطفي المنقسم اليوم بين رافض لتوبة الجنرال وبين مهللا يحلم بأن يستغل مواقفه لمصلحة الثوره كلاهما يقودنا إلى نفس النتيجة وإن اختلفت مظاهره .
هي نتيجة مأزومه مختله تجعل الأزمه في هل نثق في الجنرال ام لانثق فيه؟؟
فليس هو الحل وليس هو الازمه وليس هو المنتظر ليقود ركاب الثوره …..ولا التغيير سيقوم به فرد مهما طالت عمامته
إن العقل المنطقي والموضوعي يؤكد لنا الاتي
‏أولا
إن الجنرال ليس هو مفتاح التغيير بل التغيير هو الشعب…لذا يجب أن نثق فقط في قوة الثورة حيث أن الشعب هو الذي سيحقق التغيير وسيقود دفته ولا يستطيع أحد أن يحقق أهداف التغيير غيره ولا يجب أن يترك القيادة لأحد لأن يقوم بتغيير بالنيابة عنه
ثانيا
‏و إن الشعب وقوة الثوره يجب أن تترك أبواب التغيير مفتوحة لكل القوة التي ترغب في المشاركة ولكن بالضرورة أن تكون هذه القوى تحت سيطرة الشعب وليس قائدة ولا تسعى لأن تقوده
ثالثا
‏ان على الشعب وقوى الثورة القبول باقوال و التزام كل القوى التي تريد أن تشارك في عملية التغيير دون محاولة قراءة النوايا أو محاسبتها على ما تحمله في القلوب
رابعا
‏إن عدم محاكمة النوايا لا يعني التجاوز عن الأخطاء ولا يعني الغفران غير المشروط فللتوبة قوانينها …فالذي يعلن عن خطأ مشاركته في الانقلاب العسكري عليه أن يعلم أنه قد ارتكب جريمة و يتحمل مسؤوليتها ولا يكفيه الإعتراف وانه مستعد للمساءلة والحساب
‏و إن العقل المنطقي يقول قبل الدخول في التساؤل عن القبول بمشاركة الجنرال أم برفضه علينا أن نحلل مواقفه ونفكك دعوته وموقعها من سلطة الشعب وسيطرت على التغيير كحقيقة لاتقبل النقاش والمساومه وهنا نحتاج للإضاءت التاليه
‏أولا
‏هل يعني انحياز الجنرال أن يكون نفسه تحت سلطة رئيس الدولة المدنية؟
‏هل قبوله بدمج قوتة يعني أن السيطرة الفعليه ستكون تحت سلطة الدولة المدنية تشكل وحداتهم ترث أسلحتهم و توزيعهم للقيام بالأدوار التي تحددها السلطة المدنية؟
‏و عنده دمج قواتها هل ستيصاحب ذلك دمج كل المؤسسات الاقتصادية التي تتبع لهم للسلطة الدولة المدنية واشراف وزارة المالية؟
‏إيمانهم بشعارات الثورة هل ستجعل هم خضعين لمعايير الفساد والتمكين واجتناب الثروات في عهدي الانقاذ بصورة غير قانونية أو شرعية وسيقبلون المحاسبة والعقاب ؟
‏هل سيقبلون بي محاكمة قانونية لكل الممارسات التي يتم فيها تجاوز حقوق الإنسان من تعذيب أو اغتيال أو حرق في مناطق العمليات أو في المدن وفي مجزرة الاعتصام ؟
ثانيا
‏إذا كانت الإجابة التساؤلات العقل المنطقي بالإيجاب سيصاحبها التساؤل الأهم وهو لماذا وما هي الضمانات لتنفيذ هذه الوعود ؟؟
لماذا يسلم سلطته وثروته وينتظر المحاسبه؟
فاذا قبلنا بتفسيراته ينفتح الباب أمام السؤال الجوهري …..وهل هناك تصور لضمانات محلية أو دولية لضمان تنفيذها و إلى أي درجة يستطيع الجنرال أن يقدم التزاما منطقيا وموضوعيا قابلا للتنفيذ ويجعل من شعارات انحيازه واقعا وحقيقه؟؟
أعزائي
إن التغيير لن يتم بالخطب المشحونة بالعواطف والوعود..التي ليس لها ضمانات ومواثيق….ولا أحد يمتلك مفاتيح التوبه أو يعلم مافي القلوب ولكننا نعلم ان للتوبه شروطها وللوعود ضماناتها.
فلنفارق متاهات العقل العاطفي وحواراتنا عن صدق الجنرال وزيفه ومشاحناتنا في ان نفتح له الباب ليسير معنا أم نغلقه؟
فلنحتمي بأنوار العقل المنطقي وطريقه الذي لا يخيب فلا ننساق الى درب ليس لنا فيه السيطرة والكلمه ولا وعود ليس لنا ضمان تنفيذها……..فشعبنا لا يريد إنحيازا ممن يحمل سلاحه ويسير أمامنا لا يحتكم لقرارنا و يرى نفسه متقدما على الشعب وحاميه ليقودنا في معارك لا سلطة لنا عليها …..بل يؤمن بإنحياز ممن يضع سلاحه في خدمة الشعب وسيطرته وينصاع لكلمته وسلطته.
هي تساؤلات لا نقول تبني جسور الثقه المهدومه ولكن تسمح لنا بالتعامل الواعي ونحن ندري مواقع خطانا وماينتظرنا
هي تساؤلات تضيء لنا الطريق حتى لا نهدر جهدنا في متاهات العقل العاطفي التي تبني الأحلام او تغرقنا في برك التفاؤل المدمر والاحباط.
إن العقل المنطقي يضع تساؤلاته ليقطع الطريق أمام حملات الجنرال العاطفيه وإستسهال الوعود وبيع الكلام والاحلام …تطالبه بوضع النقاط فوق الحروف ليجعل من الوعود حقيقة تحكمها الوضوح والضمانات.فإن فعل فقد حجز لنفسه موقعا في قطار الشعب تابعا وداعما وليس قائدا…وإن لم يفعل فلن يضر المحق السيء الا بأهله ولن تنطفيء شعلة الثوره وإن كره الكافرون
وقوموا لثورتكم يرحمكم الله

 

آراء