الوثيقة الدستورية المعيبة اخطر وثيقة سياسية مرت على تاريخ البلاد منذ الإستقلال (٤)

 


 

 

يُطلق على الجد الذى ينشئ او تنشأ منه مراكز القرابات الأسرية بالسلف، كما ويتوارث الخلف وهم الأباء والأبناء والأحفاد من جدهم الإسم والتركة، ام العلاقات الإجتماعية التي لا تنظمها الأسرة كالعلاقات بين فاقدي السند الأسري فهذه العلاقات لن تكون لها مرجعية واحدة اومراكز اسرية مستقرة إلا بعد مرور اجيال واستقرار المراكز التي نشات وتفرغت عنها مراكز إجتماعية اخرى واستقرت بذات طريقة تكوين الأسرة بالطرق المرعية ، وفي الأسرة المستقرة لا يتمكن الحفيد من تغيير اسم والده او جده ولكن يستطيع تغيير اسمه وإذا قام بتغيير اسمه بالكامل فبهذا الإسم الجديد لن يستطيع وراثه سلفه إلا بالتصحيح الذي بموجبه يؤكد ان اسمه الذي يحمله مطابقا لذات اسم الأسرة التي ينتمي إليها، اما الأشخاص الإعتبارية والتي تنشأ بموجب احكام القانون مثل الشركات يظل الأشخاص المؤسسون للشركة هم مؤسسيها ولا تنازلوا عن اسهمهم بالكامل وفقدوا صفتهم نهائيا بالشركة وبالبيع والشراء تتغيير مراكز وأسماء ملاك الشركة ولكن تظل صفة التأسيس مرتبطة بالمؤسيسن الذين وقعوا على عقد التاسيس هذه بشان الأسرة والشركة فما بال الأمر حينما يتعلق بالدولة ودستورها الذي ينشئ المراكز القانونية وهياكل ونظم إدارة الدولة وحق المواطنة فيها واكتساب الحقوق وتحمل المسؤليات، فالدستور الدائم المستقر هو بمثابة السلف في الدولة اما القانون فمثابة الخلف الذي يمكن تعديله ليتماشي مع راهن احتياجات نظم الدولة وإدارتها، لذلك بالضرورة هذا التوضيح عن الفرق ما بين الدستور الدائم والدستور المؤقت بخاصة ان اللبس في الفرق بين الدستور المؤقت والدستور الدائم لا يقع فيه العوام فقط وهم معذورون ولكن المؤسف ان اللبس والخلط ما بين الدستور المؤقت والدستور الدائم ليس لدى قيادة الأحزاب التي تتنافس لإدارة دولة السودان تحت التاسيس أومن يتولون شؤونها القانونية، بل اللبس والخلط حتى خبراء الحرية والتغيير الذين قاموا بوضع الوثيقة الدستورية المعيبة الكارثة.
لقد ظلت الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني تبدد الجهود فيما لا طائلة من ورائها وهي تدعو وتنظم المؤتمرات والورش ودورات التدريب عن وضع دستور للبلاد والدستور اصلا موجود وهو دستور السودان المؤقت لسنة ١٩٥٦م والمعدل في ١٩٦٤ و١٩٨٥م وانه لا مجال لوضع دستور آخر للسودان بخلاف الدستور الذي نال به استقلاله واودعت وثائقه لدى الأمم المتحدة وتم الإعتراف به كدولة مستقلة، كما وان الوصف القانوني للنصوص القانونية والأحكام التي ظلت في عهود إنقلاب عبود والنميري والبشير وعقب الثورة فترة د حمدوك والمرحلة الحالية كلها تعتبر مرحلة تدابير قانونية صدرت في ظل الإنقطاع الدستوري.
الدروس المستفادة من تجربة الإنقطاع الدستوري في المملكة المتحدة (الإنقطاع والإسترداد) :
مثلما هنالك نوعان من الدساتير من حيث الموضوع وهما الدستور المؤقت والدستور الدائم ايضا هنالك الدستور الدائم المكتوب والدستور الدائم غير المكتوب وليس هنالك فرق بينهما، اما الدستور المؤقت بالضرورة ان يكون مكتوبا واحكامه وآلياته تنظم مرحلة التأسيس والوصول للدستور الدائم.
ارسخ النظم الدستورية في العالم النظام الملكي البريطاني وفي بريطانيا صارت النظم الملكية هي الأساس الدستوري بالمملكة وكان الملك هو مصدر السلطة وممثل الإله في الأرض وما يصدر الملك من أوامر ملكية تنظم حياة المملكة والرعية لذلك الدستور هو الملك والذي هو ايضا ممثل الله في الأرض ولا معقب لحكمه لذلك لم يكن هنالك حتى تصور لكتابة الدستور الموجود بوجود الملك صاحبة السلطة المطلقة كما صارت نظم حكمه مرعية في المملكة وخارجها، لقد تطور النظام الملكي في بريطانيا بتأسيس الملك لمجلسي اللورادات والعموم وفي فترة الملك تشارلز الأول تضعضعت قبضة الملك وقاد القائد العسكري اوليفر كرومويل الإنقلاب الوحيد على نظام الحكم الملكي في بريطانيا والذي يُوصف في بريطانيا ب(١١ عاما من حُكم الضرورة).
محاكمة الملك وقتل الرب:
٣٠ من يناير ١٦٤٩م شهدت المملكة الإنجليزية حدثا غير مسبوق وبالكاد يصدق مواطنوها ما يشاهدونه باعينهم، الملك امامهم يخلع عباءته ويركع واضعاً رقبته على لوح الإعدام بعد لحظات من التوتر المشوب بالحذر مُلثّم بفاسه قاطعا راس الملك تشارلز الأول لتنقضي الملكية مؤقتا في بريطانيا ليبدإ عهد الحكم العسكري بقيادة القائد العسكري اوليفر كرومويل عقب وفاه القائد القوي كرومويل والذي كان يسعى لتوريث ابنه ضعف الحكم العسكري في بريطانيا وبضغط من البرلمان تنازل ابن كرومويل من منصبه في عام ١٦٥٣م وقدم قادة الكومنولث دعوة إلي ابن الملك المنفي ( رتشارد الثاني) للعودة إلى البلاد واستعادة عرش والده وتم إعلان التسامح والعفو الذي تم الإتفاق عليه، ولكن لم يغفل الملك العائد تشارلز الثاني محاكمة اوليفر كرومويل وإدانته بالخيانة العظمى قبل ان يُستخرج جسده من قبره ليعلقوه في مشانق تايبرن وقد عُرفت عودة الملك تشارلز الثاني بالإسترداد (إستعادة الحياة الدستورية).
الإنقطاع والإسترداد :
بالرغم من حدوث ثلاث حالات إنقطاع دستوري بالبلاد وفي الحالتين الأولى والثاني منهما حدث الإسترداد إلا التعامل مع جريمة الخيانة العظمى في الحالتين لم يكن بالقدر المناسب كما وفي الحالة الثالثة لم يتم الإسترداد وبموجب احكام الوثيقة الدستورية المعيبة ظل الوضع الإنقلابي للنظام البائد كما كان عليه الحال عند وقوع الإنقلاب في ٣٠ يونيو ١٩٨٩م الذي ارتكب بشأنه جريمة الإنقلاب على الدستور محل المحاكمة الآن وانحدر البلاد إلى الوراء نحو دستور المنحة ويحسن بنا هنا ان نشير إلى ما ورد في ذيل ورقة ( المدخل الصحيح للتأسيس الدستوري السليم للأستاذ يوسف آدم بشر “مرجع“) ، ولبؤس قدرات هيئة دفاع إنقلابي ٣٠ يونيو ١٩٨٩م في الفقه الدستوري ظلت الهيئة المذكورة تدفع بالتقادم لدفع التهم عن موكليها وهي لا تدري بان فترة الإسترداد تبدأ بإنهاء حالة الإنقطاع الدستوري وإستعادة الحياة الدستورية وحْولت هيئة دفاع مرتكبي جريمة تقويض النظام الدستوري في ٣٠ يونيو ١٩٨٩م محاكمة مرتكبي جريمة تقويض النظام الدستوري في ٣٠ يونيو ١٩٨٩م إلى سوق عكاظ وهي لا تميز بين التقادم المسقط للدعوى الجنائية والإنقطاع الدستوري الذي يُبطل الإجراءات الناشئة في ظل الإنقطاع الدستوري وفي بؤس حصيلة هيئة الدفاع في التمييز .
ونواصل.
المراجع :
١/ الإنقلاب الوحيد في بريطانيا (١١ عاما من حُكم الضرورة.
٢/ المدخل الصحيح للتأسيس الدستوري السليم للأستاذ يوسف آدم بشر المحامي.
///////////////////////

 

آراء