برافو منير شيخ الدين!!

 


 

 

Gibriel47@hotmail.com

 

استمعت واستمتعت مساء الأحد 14 مارس 2010 بحديث الأستاذ منير شيخ الدين منير، رئيس الحزب القومي الديمقراطي، وهو يرد على أسئلة الصحفيين ومناديب الأحزاب وغيرهم في مجهر وكالة السودان للأنباء (سونا) بقيادة الأستاذ بابكر حنين، مدير الحوار.

أراحني الأستاذ منير كثيرا وأعاد الطمأنينة إلى نفسي بأن لهذا الجيل قادة بارعون وعاقلون وحكماء. وأقولها بصراحة لقد يئست قبل هذا الحوار من هذا الجيل واعتبرته جيلا فاشلا تماما وكنت أتهكم عليه كثيرا بأنهم فاشلون حتى في الصياعة (مجال الغناء) فكم من مغن لا يطرب إلا نفسه!!

 كان ذلك لعدم ظهور قيادات من هذا الجيل تطمئن النفس  وتبشر بقرب انتهاء المسيرة الفاشلة خلال 54 عاما من حكم أحزاب فاشلة ورجال فاشلون أضاعوا السودان وأدخلوه في حلقة مفرغة شريرة من عسكر أغبياء وحمقى إلى سياسيين مستكبرين وعمي بصيرة.

كان الأستاذ منير شيخ الدين واثقا تماما من إجاباته التي صعقت بعضا من الكبار الفاشلين والذين يعدون أنفسهم ناجحين وبدا عليهم الاستكبار  والاستخفاف وهم يتقدمون بأسئلتهم التي كانوا واثقين من عدم إمكانية رد الأستاذ منير عليها؛  والذين ظنوا أنهم يمكن وببساطة أن يهزوا هذا الغلام  المولود عام 1961 وأنه عوده طري وأنه لم يولد من يتجاوزهم بعد!!

 لكن الأستاذ منير ألقمهم حجارة كثيرة فظلوا طوال المنتدى صامتون. لا يحركون ساكنا.وكذلك ألقم بعض  مناديب الأحزاب السياسية الذين استهانوا به واعتبروا خبرته قليلة أو يكادون يجزمون بأنه بلا خبرة مقارنة بديناصوراتهم المنقرضة. فأطلقوا عليه وابلا من الأسئلة الاستخفافية والتهكمية. فألقمهم حجرا تلو حجر فبهتوا لأنهم لم يكونوا يتصورون أنه بهذه الحنكة؛ وأعاد في مرات عديدة الكرة إلى ملعبهم.

وحتى الأستاذ بابكر حنين ، الممثل والمدافع الشرس عن المؤتمر الوطني، حاول مرارا أن يتعرض للأستاذ منير ويفحمه فأفحمه منير فوقف كحمار الشيخ في العقبة لا يدري بماذا يجيب!!!

مصيبة الأستاذ بابكر حنين أنه يعتبر نفسه سلطان المحاورات السياسية وغيرها  ويشكك في أقوال رموز الأحزاب – ولا يهم لديه سواء كانوا كبارا أو صغارا في السن –  وهذه عنجهية وسوء أدب  لا يعرفه إلا من ينتمون إلى  الحزب الحاكم.

 وسبق أن أخطأ خطأ كبيرا افتقر إلى الحصافة عندما سأل الصادق المهدي في خيمة رمضان عن ماذا سيفعل بباقي عمره؟ أيعقل أن يكون السؤال بهذه الكيفية التي تفتقر إلى مبادئ الآداب العامة واللياقة والاحترام والتوقير لكبار السن رغم اختلافنا معهم!!!! فما هكذا تورد الإبل يا بابكر يا حنين!

حقيقة كان الأستاذ منير شيخ الدين بطل الحلقة بإجابته الدبلوماسية العقلانية والواقعية التي بهرت كل الحضور حتى آخر لحظة. وكانت رؤيته واضحة لحل قضايا السودان التي اعتبروها متشعبة. فالتشعب مرده الشخصيات المعقدة والأنانية والتي ظلت تنظر بدونية لكل شخص خارج محيط الخرطوم الجغرافي والوسط خاصة. فهذا غرباوي، وهذا نوباوي، وهذا أدروب لا يفقه شيئا، وهذا جنوبي وهذا وهذا.

أما آن الأوان لنغير نظرتنا لهذه المجموعات التي دفعنا بها دفعا لحمل السلاح ضد الوسط المستكبر والمتعالي والمستخف بالآخرين؟!!!

والنتيجة هي أن التاريخ سيسجل للمؤتمر الوطني بمداد من خزي إضاعة جنوب السودان وانفصاله الحتمي القادم. وبعد كل تلك الخسارة الفادحة لا تعتبر رموز المؤتمر الوطني ونقول بأنها ستقبل انفصاله بكل أريحية وكأنما تتصدق بالجنوب على الجنوبيين.

ولكن الحقيقة أن الجنوبيين أخذوا الجنوب (رجالة وحمرة عين) بعد كل العنتريات خلال 54 عاما من القتال الأعمى. وفرطنا في جزء من الوطن، بذلت الأرواح فيه رخيصة، لا لشيء سوى نظرتنا الدونية لهم وحرمانهم طوال هذه الفترة من أساسيات الحياة.

ثم يعرج بعض السائلين وكأنهم قد اكتشفوا شيئا جديدا بقولهم أن قوس المطر (الرينبو) قادم لحكم السودان ويقصدون به مجموعات دارفور وجبال النوبة والأنقسنا وجنوب النيل الأزرق. ألا تطيقون حكم هؤلاء؟!! يا للعجب، وأنتم الذين تسببتم في كل هذا الدمار بتصرفاتكم الغبية؟!!

لا زلنا نغالط أنفسنا بأننا لم نفعل شيئا سيئا أبدا أبدا. يا للهول!!! طوال 54 عاما وهم صابرون علينا ونحن نستمتع بالحكم من الوسط ولا نعيرهم اهتماما ولا نخشاهم لأنه لا حول لهم ولا قوة. أكنتم تعتقدون بأنهم سيظلون هكذا إلى الأبد؟!! ما هذا الغباء وقصر النظر البائس!!!

فبعد كرري المعركة الفاصلة سلم المستعمر قيادة السودان عند مغادرته لمجموعة الوسط التي لم تصدق أنها حظيت بهذه الهبة دون غيرها فلم تفكر في حكم السودان بالعقل. فظلت هذه المجموعة من أبناء الشمال – الذين عقوا الشمال -  تعوث في الأرض فسادا لدرجة أنها لم تطور حتى الخرطوم حيث تسكن. فظلت كالمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى. وركنت بسوء نية إلى حرمان الأطراف من الحكم ووضعتهم في خانة الأعداء وعلى أحسن الفروض خدم.

ومع مرور الوقت اتسعت رقعة التهميش فكادت أن تشمل السودان كله. وازداد الشك في النفوس وتبادلت جهات السودان تهم سوء النية. ومع مرور الوقت أيضا تعلم أبناء الهامش وأدركوا مقدار الظلم الذي وقع على أهلهم فحاولوا تنبيه الوسط. لكن يبدو أن الوسط غط في نوم عميق، لم يفق منه إلا عند سماع  دوي مدافع الظلم وبنادق التهميش.

أكثر ما أعجبني في الأستاذ (منير شيخ الدين منير) روح التسامح التي تحلى بها وذهابه بعد عودته من الغربة إلى أحد زبانية الإنقاذ الذين قاموا بتعذيبه وبكاء الندم الذي رآه من ذلك المستكبر!!!

فمنير تتجلى فيه روح التسامح وقلة العنتريات  وعدم الدخول في تصفيات مع الإنقاذ وغيرها من النظم الفاشلة التي سامت الناس الهوان والذل. أضف إلى ذلك موضوعيته في تناول القضايا والبعد عن التهور الذي ميز السياسيين الذين يعدون أنفسهم جهابذة زمانهم!!!

حاول البعض استدراجه لمسألة إسرائيل التي يحب السودانيون الوقوف عندها طويلا وكأنهم الوحيدون الذين يمثلون العالم الإسلامي،  و الفلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، وحقوق الإنسان في كل الدنيا. فجاءت إجابته بنحو أذهل السائلون وأنه ليس الفيصل في أي شأن من شئون الدولة وأن  القرار سيتخذ بشكل جماعي. وخلت إجابته من العنجهية السياسية القديمة التي تتخذ فيها معظم القيادات القرارات بنفسها وتلحقها برتوش لتكون ديمقراطية كما يدعون.

لقد وضع الأستاذ منير يده على جرح السودان وشخصه تشخيصا جيدا وكانت (لاءاته الخمس) هي سبب كل نزاعات السودان منذ الاستقلال بالإضافة إلى استكبار القادة والسودان الشمالي عموما. فقضية الجنوب ما كانت لتتطور إلى هذا الحد لو أننا منحناهم حكم أنفسهم منذ البداية وتراضينا على الكنفدرالية.

لكن ماذا نقول لهواة  العنتريات،  وضاربي طبول الحرب، ونداءات الجهاد،  وميادين الفداء ، والبروجي،  والدلوكة الجعلية الحارة (التي كادت أن تكون شعارا للسودان) عند حكومة الإنقاذ التي أسالت الدماء في كل بقعة من بقاع السودان.

فكانت النتيجة انفصال الجنوب الذي تحدث عنه الأستاذ منير بوضوح أذهل كثيرا ممن كانوا يظنون أن الجنوبيين لن ينفصلوا. وجعلها حقيقة واضحة للعيان. وبدأ العمل في التجهيز لما بعد مرحلة الانفصال، وكيفية معالجة الأوضاع لاستبقاء الأجزاء الأخرى من الانفصال والتي لن تتوانى في أن تحذو حذو الجنوب إذا لم نتوقف عن استكبارنا.

الأستاذ منير نوع حديث من السياسيين الذين يتعاملون بالعقل والمنطق والرؤية الصحيحة الصادقة الثاقبة واستصحاب التجارب الإنسانية الأخرى في دول العالم الأول والعالم الثالث. لذا ليس غريبا أن نجد بجواره في دكه المنبر شخصيات من شمال السودان (شايقي) وشرق السودان (رشيدي) و (نوباوي ) من جبال النوبة وغيرهم.  فقد تعدد السحنات في حزبه الجديد واتسع لكل السودانيين.

لا شك أن هذا الحزب الوليد سيحقق في مستقبل الأيام نجاحا كبيرا حتى ولو تعثرت خطاه كثيرا. وسيكون المسمار الأخير الذي سيدق في نعش  الأحزاب الديناصورية القديمة التي أكل عليها الدهر وشرب. وسيلتف حوله الشيب قبل الشباب (رجالا ونساء) فهو يدري أنه يدري.

نعيب زماننا والعيب فينا            وما لزماننا عيب سوانا

 

آراء