ثكنات الجيش وارتكازاته، في المدن.. “تجيب الهواء” وهي تضر ولا تنفع/ بقلم: إبراهيم سليمان

 


 

 

بعد أن أصبح تبادل القذائف بالمدفعية الثقيلة والخفيفة "روتينية" في العاصمة الخرطوم، والمدن الكبيرة في غرب السودان (نيالا، والفاشر والأبيض) توالت مؤخرا، الواجهات المسلحة بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، في مناطق ولائية كانت آمنة مطمئنة.
بدأت هذه المواجهات في مدنية أمروابة، وتندلتي وود عشانا، بولاية شمال كردفان، سبقتها في مدنية الفولة، ثم المجلد بولاية غرب كرفان، ناهيك عن مدينتي كتم وسربا وعديلة ومورني بشمال وغرب دارفور، ولن تنهي بالطبع بمنطقة العيلفون بولاية الجزيرة.
السبب الرئيس لهذه المواجهات، هو وجود ثكنات للجيش داخل المدن، وارتكازاته على مداخلها، أو حولها، وهي خطيئة ليست وليدة اللحظة، لكنها باهظة الثمن، لماذا يدفعه المواطن؟.
فخلال معارك كسر العظم الدائرة الآن، من الطبيعي أن تهاجم قوات الدعم السريع ثكنات الجيش وارتكازاته، أو العكس، وبالضرورة أن تتصدى لها الطرف الهاجَم، ليدفع المواطن ثمن هذه المواجهات، أرواحا بريئة، وممتلكات غالية، ونزوح وتشرد.
فقد سيطرت قوات الدعم السريع، يوم الجمعة الماضية، على مدينة العيلفون، شرق الخرطوم، وأمرت سكان عدد من الأحياء بمغادرتها ما أدى لموجات نزوح كبيرة في المنطقة، ومن المعلوم أن المنطقة بها أحدى معسكرات الجيش الذي يجري فيه تجنيد المتطوعين للقتال لجانبه.
وحسب مصادر صحفية، أن قوات الدعم السريع شنت حملة تهجير قسري للسكان، ودفعت هذه التطورات الأهالي إلى نزوح من مدينة العيلفون، نحو مناطق قريبة لولاية الجزيرة المتاخمة لولاية الخرطوم، مما يعنى اتساع دائرة المواجهات المسلحة.
سبقت مواجهات العيلفون، نزوج مئات الأُسر من محلية ودعشانا الواقعة شرق مدنية ام روابة بولاية شمال كردفان، جراء المواجهات المُسلحة التي اندلعت في المنطقة، مطلع هذا الشهر، بين القوات المُسلحة وقوات الدعم السريع. وحسب مصادر موثوقة، اضطر أهلي منطقة ود عشانا للنزوح هربًا من الحرب والقصف التي تسببت في إصابات وسط المدنيين، مشيرةً إلى أن اغلب سكان المنطقة قد نزحوا.
سبقت مواجهات ودعشانا، احتدام صراع مسلح داخل مدينة أم روابة، انتهت بسيطرة قوات الدعم السريع على مفاصل المدنية.
أما في مدنية المجلد بولاية غرب كردفان، كشف مواطنون مؤخرا عن هدوء حذر خيم على سماء المدينة، بعد مقتل أربعة أشخاص من بينهم ضابط وجندي واثنين من المدنيين من بينهم امرأة وإصابة سبعة أخرين يوم الأربعاء الماضي.
وبخصوص هذه المواجهات، نُسب إلى الأمير مختار بابو نمر، ناظر المسيرية، في خطاب عقب اجتماع أهلي مؤخرا، إنهم رفضوا السماح بأي وجود عسكري داخل المجلد، مؤكداً إن المواطنين يستطيعون حماية السوق بأنفسهم.
مضيفاً، إن الإدارة الأهلية ليست طرفاً فيما جري، وإن القوة العسكرية التي قدمت من مدينة بابنوسة وأطلقت النار لم تخطر أي جهة رسمية في المدينة. مردفاً "أخبرت قيادة الجيش بصورة واضحة ما داير أي عسكري في المجلد، ونحن قادرون على حماية المدينة"، وأوضح ناظر المسيرية حسب المصادر "إن الجيش طلب منهم في وقت سابق التفويض بالدخول إلى المدينة، لتنفيذ قرار منع المواتر ولكنهم رفضوا ذلك".
ونسب للأمير مختار بابو مناشدته المواطنين للحفاظ على الأمن في مدنية المجلد، وعدم تخريب بلادهم بأيديهم، وإن من يريد الحرب يجب أن يتجه إلى الخرطوم. داعيا الجيش للابتعاد عن أماكن وجود المدنيين.
إذا، ما فائدة وجود ثكنات الجيش داخل المدن، طالما أنهم غير معنين بحماية المواطن، ولا يكترثون لأمنه، أو حتى قادرون على حماية ثكناتهم؟ وما قيمة ارتكازاتهم في مداخل المدن، طالما أنها لم تصمد، في وجه أي هجوم من قوات الدعم السريع؟.
لسنا مبالغين إن قلنا، أن ثكنات الجيش وارتكازاته، "تجيب الهواء" لسكان المدن، وهي تضر ولا تنفع، وأنّ سلامة المواطنين، في خلو المدن منها، لذا نعتقد أن قرار ناظر المسيرية، بشأن أمن مدينة المجلد، قرار حكيم، وموقف سليم.
على أهالي المدن، والمناطق التي تتمركز فيها القوات المسلحة، والدعم السريع، المطالبة بإخلاء مدنهم ومناطقهم من المظاهر العسكرية، التي تجلب لهم الدمار، وتسبب لها الموت والخراب.
لا نظن أن الحرب الدائرة الآن، ستستثني مدينة، وعلى الأهالي، اتخاذ هذا الموقف باكرا، أي المطالبة بإخلاء مدنهم ومناطقهم من الثكنات والارتكازات العسكرية المسلحة، قبل أن يحل الفأس في الرأس.
وبالطبع تزداد المخاطر على المدن، متى ما فتحت بها معسكرات تدريب للمستنفرين بموافقة أهالي المناطق أو بدونها، ناهيك عن انخراط الشباب في حملات التجنيد والاستنفار لصالح طرفي الصراع.
المواطن يدفع تكاليف هذه المواجهات، لأنه يتخذ موقف المتفرج، ويتفادى المجاهرة برأيه، بل في بعض المناطق، ينحاز المواطن، إلى أحد طرفيّ الصراع، الأمر الذي يجعلهم عرضه لطبش الطرف الآخر.
//أقلام متّحدة ــ العدد ــ 119 ــ //

ebraheemsu@gmail.com

 

آراء