دهشات على ضفة نهر الراين

 


 

 

وقفت أمام موظف الإستقبال في الفندق بشموخ وكبرياء معلنا له رغبتي في مغادرة الغرفة التي كنت احتلها لمدة ثلاثة أيام... نظر لشاشة الكمبيوتر وأجرى بعض العمليات الحسابية بعد أن أخذ جواز سفري ليتأكد من هويتي وقال لي :(حسابك ٢٨٦ يورو)
أخرجت محفظتي من جيبي الخلفي وأخذت أستلّ الأوراق الخضراء من فئة المائة. أنتظر لمدة يرقب حركتي وانا أخرج الفلوس بروية وإعتداد... جاء رفيقي البنغالي لكي يستعجلني للمغادرة لكى نلحق بالسيارة التي ستقلنا للمطار.
مددت الفلوس للموظف، فإذا به يشيح بوجهه عني ويؤشر بصورة أقرب للهستيرية وقال بلغة انجليزية صريحة وواضحة أنهم في الفندق لا يتعاملون "بالكاش".
تأملت مليا في وجهه المليئ بنضار الشباب، وقد باغتتني الدهشة وأنا من قوم يؤمنون في كل معاملاتهم المالية بمقولة (الكاش يقلل النقاش).
قال لي وهو يعيد لي جواز سفري نحن نتعامل بفقط بالبطاقة الائتمانية.
قلت له ولكن ليست لدي بطاقة إئتمانية.
قال حسناً بوسعك الذهاب الي بلدك وسوف نبعث الفاتورة على بريدك الإلكتروني وعندما تصل ترسل لنا المبلغ في حساب الفندق البنكي.... علتني الدهشة مجدداً وقلت في دخيلة نفسي :(ومن أدرى هذا الموظف المسكين أنني بتلك النزاهة حتى يجعلني أغادر الفندق ولم يأخذ عليّ أي موثقاً أن أرسل له الفلوس... غير أنني تذكرت ما جال بخاطر الإمام المجدد محمد عبده قبل أكثر من قرن من الزمان عن مشاهداته في بلاد الفرنجة وكيف أنه وجد الاسلام ولم يجد المسلمين.) هنا تدخل رفيقي البنغالي وقال لا عليك أعطني المبلغ وسأعطيه بطاقتي ليسحب منها ما يعادله.
وجدت الأمر معقولا ومقبولا أعطيته المبلغ فناول موظف الاستقبال بطاقته وانتهت المعاملة في لحظات... سألت رفيقي البنغالي عن أصل البطاقة فقال لي وهو يشدني من منتصف بهو الفندق نحو بوابة الخروج:(إن نظامنا المالي في بنغلاديش مندمج في النظام المالي العالمي، ويسمح لنا بإجراء أي معاملة مالية عن طريق بطاقات الإئتمان من أي موقع وبأي عملة شئنا). شعرت بمفاصلي تصطك في بعضها بعضا، وأن قشعريرة سرت في سائر بدني لم ادرِ على وجه الدقة مبعثها أهو من هول الدهشة، أم مِن لفح الريح البارد المشبع برطوبة نهر الراين.
د. محمد عبد الحميد

 

آراء