رؤية أولية حول البيان الختامي لقمة دول جوار السودان

 


 

 

وجد البيان الختامي لقمة دول جوار السودان ترحيباً واسعاً من مختلف الفاعلين السياسيين على الساحة بما في ذلك الطرفان المتحاربان وقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي وذلك لما احتوى عليه البيان من نقاط هذه مساهمة أولية في قراءتها سياسياً لعلها تسلط بعض الضؤ فيما يمكن أن يكون قد اختبأ وراء اللغة الدبلوماسية العالية التي صيغ بها.
النقطة الأولى: والتي تركزت على الإعراب عن "القلق العميق" وهي لغة متداولة في السياسة الدولية. أو كأنها شعيرة مرعية Observed rite، فما من أحد اطلع على مجريات الحرب في السودان إلا واعرب عن "قلقه". فمن هذه الزاوية يمكن اعتبارها بمثابة ديباجة لما يستتبع من نقاط في الوقت الذي لن تعدو أن تكون "مناشدة" لوقف قتال ضاري الكل يعلم أنه لن يكون فورياً... فكلمة (فوري) التي وردت في هذه النقطة في الأصل عادة ما تصاحبها خلال(عدد معين من الساعات) وهي أشبه بالتحذير أو الإنذار أو هكذا تُستخدم عادة ويستخدمها طرف قادر على فرض إرادته ونفوذه إذا لم تُنفذ رغباته وتوجياهاته الفورية بعد انقضاء تلك الساعات أو المدة المقررة لشبه الإنذار. أما استدامة الوقف الفوري، فذلك رهين باجراءات ميدانية تجعل الاستدامة ممكنة عمليا ومنها على سبيل المثال نزع السلاح وتحجيم حركة القوات المتحاربة وما الي ذلك من إجراءات من دونها لا يمكن الحديث عن استدامة وقف إطلاق النار إلا من قبيل الأماني المحضة.
النقطة الثانية: تعتبر أهم نقطة سياسية في البيان وهي عبارة عن "توبيخ" مبطن وصريح لتصريحات ابي أحمد عقب اجتماع مبادرة دول الايقاد الأخيرة وكذلك لرئيس دولة كينيا اللذان ذهبا لمنطق التدخل المباشر و بسفور غير معهود في الدبلوماسية متعددة الأطراف. فقد نصت النقطة هنا على ضرورة اعتبار ما يجري شأنا داخليا سودانيا بحتا وهي بذلك تعتبر نصر ورد اعتبار للحكومة القائمة حاليا وتوفر لها شرعية كادت أن تُسحب منها. هذا إذا تم اعتبار أن أنعقاد هذه القمة نفسها ليست تدخلاً في الشأن السوداني بمعنى من المعاني.
النقطة الثالثة: وهي تعني دول الجوار بشكل مباشر وتخاطب همومهم الملحة مما يمكن أن تسفر عنه الحرب وهو تفكك الدولة السودانية بكل ما يستتبع ذلك من انعكاسات على دول الجوار بانتشار الجريمة المنظمة والإرهاب وهو أكثر ما تخشاه هذه الدول وذلك من حقها بالتأكيد.
النقاط الرابعة والخامسة والسادسة: وهي في مجملها تركز على الأوضاع الإنسانية، فالنقطة الرابعة تتحدث عن تبعات الحرب على الوضع الإنساني. بينما الخامسة تركز على الاعتداء على المدنيين ومناشدة المجتمع الدولي لتوفير مساعدات اغاثية دون إبداء أي التزامات من جانب دول الجوار بتقديم ما تستطيعه من اعانات اغاثية كأنما تعبر عن عجزها في هذا المضمار. بينما النقطة السادسة تركز على الإستعداد لتيسير الدعم اللوجستي بانفاذ المساعدات القادمة من "الخارج" عبر دول الجوار كلما دعت الحاجة أو الضرورة لذلك ولكأنها تقول هذا أقصى ما يمكن أن نقدمه لدولة جارة.
النقطة السابعة: وهي الأهم بعد النقطة الثانية لإحتوائها على وزن سياسي معتبر يتعلق بمستقبل العملية السياسية حيث تمثل خطر حقيقي على موقف قوى الحرية والتغيير من جهة أنها ستعمل على (بدء عملية سياسية شاملة) والجملة الأخيرة تعيد للأذهان فكرة ما كان يُسمى "باغراق العملية السياسية" قُبيل إندلاع الحرب ويجدر التأمل العميق في كلمة (شاملة) حيث أنها لن تستثني أحد بما في ذلك خصوم قحت السياسيين من اتباع المؤتمر الوطني المحلول أو من يُسموا بالفلول أو جماعة الحرية والتغيير الميثاق الوطني، وبذلك تكون قحت قد خسرت بهذا البيان موقفها المتقدم الذي أحرزته من خلال العملية السياسية التي تكللت بالإتفاق الاطاري والذي كان قد رعته الآلية الرباعية بما فيها بعثة فولكر. فطالما رحبت قحت بهذا البيان، فإنها بذلك تكون قد أقرت بوفاة ذلك الإتفاق لصالح هذه النقطة بالتحديد (والبدء بعملية سياسية شاملة ) كما نصت النقطة.
النقطة الثامنة: وتتعلق بتشكيل آلية خاصة بالقمة فهي مُحالة transfered لعناية وزراء خارجية دول الجوار تتعلق بوضع الخطط العملية التي لم يحددها القادة أنفسهم وربما تفرضها أو لا تفرضها طبيعة مجريات الأحداث ميدانيا والتي يمكن أن تترواح بين الترحيب بوقف إطلاق النار من طرفي النزاع الي ضرورة فرض حلول بعينها كلما زادت عمليات التصعيد الحربي.. بمعنى تقييم الأوضاع ميدانيا واتخاذ ما يلزم من إجراءات حيال ذلك عملا بمبدأ لكل حادثة حديث.
ملاحظة ختامية ذات أهمية خاصة وهي أن البيان لم يأت على ذكر منبر جدة بشكل مباشر بإعتباره أول منبر رسمي لإستضافة جهود وقف الحرب حيث لم يحاول البيان البناء على ما تم التوصل إليه رغم ثقل رعاته اقليميا ودوليا، وذلك ربما لمراعاة دوائر النفوذ وتوازنها في المنطقة بكل ما تحمله من حساسيات جيوسياسية و تاريخية .
د محمد عبد الحميد
//////////////////

 

آراء