هل سيحقِّق معارضو الحركة الشعبيَّة من “أبناء النُّوبة” بالخارج ما لم يتحقَّق؟ (الحلقة الخامسة)

 


 

 

jbldameek@gmail.com

مواصلة لتفكيك الخزعبلات التي وردت في بيان "ناصر جانو" ومجموعته، وما احتواه من أحاديث غير صحيحة، وكلاماً مستطرفاً ومضحكاً، ننقل القول إنَّ: "المطالب الحادي عشر التي وقعتموها مع الكتلة الديمقراطيَّة هي مطالب كل الشعب السُّوداني في الشمال قبل دارفور وجبال النُّوبة والنيل الأزرق" انتهى الاقتباس. في البدء، الحركة الشعبيَّة قوميَّة التوجه وإن كان ثقلها الجماهيري من إثنية النُّوبة والفونج بحكم الموقع الجغرافي لمنطقتيهما، مثلما ما كان عليه الوضع بالنسبة لجنوب السُّودان القديم. فجبال النُّوبة أصبحت الجنوب الجديد، وصار الفونج الجديد في جنوب شرق السُّودان. فمنه، أيضاً، اندلعت الثورة التي يتحدَّث عنها السُّودانيون والعالم بالتحديد من مدينة الدمازين يوم ١٣ ديسمبر ٢٠١٨م، ولا ينكر ذلك إلا المتكبرين. هذا التوجه القومي ومن المنطلقات الوطنيَّة للحركة، كان عليها، بالضرورة، الالتزام الأخلاقي بمخاطبة القضايا القوميَّة، وليس المحليَّة الخاصة بهاتين المنطقتين فقط. لهذا ما فتأت الحركة تذكر مراراً وتكراراً أنَّه لا بد من حل جذور المشكلة السُّودانيَّة، مع تأكيدها على مراعاة خصوصيَّة بعض القضايا لشعوب المناطق المهمَّشة التي يجب معالجتها في ذلك الإطار. وهذا يقتضي تحقيق "السُّودان الجديد"، بالمفهوم الجديد.
البيان موضوع المقال، أثار كثيراً من التخبط مما يستوجب التوضيح. وذلك لأنَّه وصف وصنَّف "المطالب ال ١١" التي ناقشها تحالف الحركة الشعبيَّة مع الكتلة الديمقراطيَّة، دون أن يذكرها. حيث أنَّها تخص "كل الشعب السُّوداني في الشمال قبل دارفور والنيل الأزرق وجبال النَّوبة" بالتركيز على "الشمال" المطلق الذي لا نعرف أين حدوده. إذن، السؤال المنطقي الذي يطرح نفسه، أين الشرق، والوسط في هذه المعادلة الصعبة الحل، إذا افترضنا بديهيَّاً أنَّ الغرب يتمثِّل في دارفور، بعدما علمنا بموقعي الفونج الجديد وجبال النُّوبة. وإذا كان المقصود، "جزافاً"، شمال السُّودان المرسوم في مخيلة الكثيرين، أليس سكانه من كل "قبائل" السُودان المختلفة، من الشرق والغرب، والجنوب، والوسط بمن فيهم النُّوبة، والفونج، والفور الذين ينحدرون من مناطقهم الأصليَّة؟ بلى! أليس من حق هؤلاء أن تطالب الحركة التي أُصدِر البيان باسمها حل قضاياهم"؟ بلى!
السؤال الأهم في هذا كله، كيف ستخاطب الحركة المتخيَّلة، التي يتشبث بها البيان ويتمسك بأوصالها، مشاكل هؤلاء؟ نقول ذلك لأنَّها، أي الحركة المجهولة، لا تملك رؤية ولا برنامج سياسي محدَّد. ثم ألم يعلم أصحاب البيان أنَّ في "الشمال" أجيالٌ لا يعرفون عن الجبال شيئاً، وبعضهم ينكر حتى أصالتهم النُّوباويَّة بدراية أو بدونها أ لأسباب خاصة ببعضهم لأنَّ الإنسان ابن بيئته؟ وعلى الرغم من مواقفهم البريئة هذه، لم يسلموا مما يعاني منه أهل الهامش المعترفون بهويتهم. فكيف سيتم حل مشكلتهم إذا لم يتحقَّق السُّودان الجديد كهدف. في حال عدم أو انفصال "شمال السُّودان" بما فيه من السكان. ولا غرابة فقد سمعنا عبد الفتاح البرهان يخاطب أهله في شمال السُّودان بمنطقة "كلي" بشندي في يوليو ٢٠٢٢م يقول لهم إنَّ هؤلاء "ما بشبهونا" في إشارة واضحة لكل أهل الهامش. وكما شاهدنا تحركات ميليشيات جديدة بعتاد وآليات عسكريَّة ضخمة تستعرض قوتها العسكريَّة سمَّت نفسها "درع الوطن" استعداداً لهذا الاتجاه.
في حال انفصال "النّوبة"، كما أشار البيان إلى استحالة العيش مع الشمال أي الجلابة، هل سيتم ترحيل جميع النُّوبة من أماكن إقامتهم في "الشمال"، ومن بلاد الشتات الأفريقي، والآسيوي، والأوروبي، والأمريكي (شمال وجنوب)، والاسترالي إلخ...؟ إنَّ تجزئة الحلول للمشكل السُّوداني هو ما انتهجته مفاوضات سلام جوبا التي أنتجت اتفاقاً مشوهاً للغاية بحيث لا يمكن إصلاحه. الاتفاق الذي لم يتحقَّق فيه أي شيء من مطالب "المناطق المهمَّشة" التي ذكرها البيان، بينما انتفخت أوداج بعض الموقعين عليه بمدحه، بدلاً من التورَّم من الغضب بالحال المزري لشعوب مناطقهم لإخفاق تنفيذ بنود الاتفاق الذي تم تفصيله ضيقاً بما يحقِّق المطامع والمطامح الشخصيَّة.
أما الحديث عن أنَّ الحركة الشعبيَّة قدَّمت تضحيات جسام، فصحيح، لا يختلف فيه اثنان. وبالطبع الحركة الحقيقيَّة بقيادة الحلو هي المعني بذلك وهي التي يسعى كثيرٌ من القوى السياسيَّة والثوريَّة وغيرها للتحالف معها، لأنَّها أدركت فعالية الحركة الشعبيَّة ووقوفها في الجانب الصحيح من التاريخ بالثبات. أما الحركة الشعبيَّة التي وصفها البيان بالزهد عن إسقاط حكومة الخرطوم، فليست بالحركة الشعبيَّة التي يقودها عبد العزيز آدم الحلو، الذى أصبح "مُراً" وصعب ابتلاعه بالكثيرين من أعدائه فأخذوا يتحاشون اسم "الحلو" وآثروا وضعه بين قوسين لتذكير دهمائهم وعوامهم.
الحركة الشعبيَّة الثابتة على مبادئها منذ تأسيسها لم ولن تزهد أبداً في إسقاط أي نظام الأمر الواقع في الخرطوم. لأنَّ الزهد بالنسبة لها هو ترك والإعراض عن النضال مخافة الحساب أو العقاب. فهي لا تخاف شيئاً وإلا لما خاضت غمار الحرب ضد الدولة الآثمة. حاربت الحركة بفعاليَّة حكومة المؤتمر الوطني برئاسة "المارشال" (عمر أحمد حسن البشير) التي لم تسقط بعد حتى أضعفتها بالسير في مسارات أربعة: الكفاح المسلَّح، والدبلوماسيَّة، والتفاوض والانتفاضة الشعبيَّة. وقد عقدت الحركة الشعبيَّة العزم لمواصلة كفاحها المسلَّح حتى النصر، أو دونه الفناء، إن لم تُحل جذور الأزمة. أما الذين يخافون العقاب والمحاسبة يعرفون أنفسهم كما تعرف أية أم أبناءها وطبائعهم وخلقهم مهما كثروا.
وبما أنَّ حكومة الإنقاذ لا تزال قائمة، فإنَّ جماهير الحركة في الداخل لا تزال تشارك وتساهم، بالتضامن مع القوى الثوريَّة الأخرى، في مقاومة لجنتها الأمنيَّة، بينما تنظيم "ناصر جانو" منغمس في مناهضة جهود الحركة الشعبيَّة كرافد من روافد نضال الشعب السُّوداني ضد الطغيان. هذه المجموعة بلغت بها درجة الإفلاس من مخزون الحجة والمنطق إلى "المُعيار" والتجريح غير المفيد، إذ لا فائدة من القول إنَّ شخصاً "فشل وسقط في بئر قذارة السياسة". بالتأكيد، هذا "المُعيار" ليس من شيمة، ولا مستوى شخص أو مجموعة سياسيَّة تطلع لحكم دولة أو نفسها. أتحسب هي أنّ الأمر هزواً ولعباً؟
ومن نافلة القول، يستغرب المرء في أنَّ قادة سابقين في الحركة الشعبيَّة لم ينسلخوا عنها فقط، بل ذهبوا في السفور لمعاداتها لأتفه سبب (كما قال البشير) ألا وهو، كما يقولون: إنَّ قائدها ليس "نوباوي" وأنَّه انحرف عن أهدافها! هذا هو الشيء الوحيد الذي اتفقوا عليه، وهم بينهم خصوم وفرقاء مما قاد إلى السؤال: لماذا؟ هذا التساؤل لا يحتاج إلى إجابة مقتضبة فقط، وإنَّما لدراسة مستفيضة لتحديد سبب ظاهرة عدم اتفاقهم فيما بينهم إذا كانوا صادقين في فجورهم مع الحركة الشعبيَّة بسبب قائدها عبد العزيز آدم الحلو، وتقديم رؤيتهم البديلة لحل "قضية جبال النُّوبة"...... نوصل.

 

آراء