هل سيحقِّق معارضو الحركة الشعبيَّة من “أبناء النُّوبة” بالخارج ما لم يتحقَّق؟ (الحلقة السادسة)

 


 

 

jbldameek@gmail.com

نبدأ هذه الحلقة بأنَّ مبدأ السُّودان الجديد هو ما تؤمن به الحركة الشعبيَّة، وإنَّ تاريخها لمليء بالتفاهمات مع الأحزاب السياسيَّة السُّودانيَّة، وأنَّه مشحون أيضاً بجولات مفاوضات مع الحكومات المتعاقبة على الحكم منذ ١٩٨٣م حتى الآن بحثاً عن السلام المفقود. وقد تحدث هذه المفاوضات في المستقبل القريب أو البعيد، وهذا غير غريب! الغريب هو النقد اللاذع وغير المنطقي من "ناصر جانو" ومجموعته للحركة الشعبيَّة لما تم بينها والكتلة الديمقراطيَّة في ٢٢ فبراير ٢٠٢٣م، بينما حدث نفس الشيء قبل شهر مع حزب الأمة القومي في ٢١ يناير ٢٠٢٣م، ولم ينطق "ناصر جانو" ببنت شفة مما أثار تساؤلات على شاكلة لماذا التأسَّد بالهجوم على الحركة الشعبيَّة وترك الأحزاب الداعية والداعمة لسيادة "السُّودان القديم" في حالها. نعم، لقد أمضت الحركة الشعبيَّة سنين ناضلها من أجل السُّودان الجديد فليس من المنطق والعقلانيَّة التخلي عنه بالسهولة كما يزعم البيان.
مسألة التحالفات والتفاهمات هذه تعود بنا إلى موضوع "الاستهبال السياسي" الذي يمارسه "ناصر جانو" بجدارة. ففي لندن، المملكة المتحدة، وبتاريخ ١ نوفمبر ٢٠١٧م وقَّع "ناصر جانو" بياناً مشتركاً نيابة عن الحركة الشعبيَّة، بينما مهره الدكتور محمد زكريا فرج الله، عن الجبهة الثوريَّة السُّودانيَّة بصفته أميناً إعلاميَّاً وناطقاً رسميَّاً لها، عقب الاجتماع المشترك بين الحركة الشعبيَّة والجبهة الثوريَّة التي كانت تتكوَّن من: حركة العدل والمساواة بقيادة "الدكتور" جبريل إبراهيم، وجيش تحرير السُّودان بقيادة السيد مني أركو مناوي، وحزب الأمة القومي الذي ترأس وفده في ذلك الاجتماع الدكتورة مريم الصادق المهدي. وتعتبر مكونات الجبهة الثوريَّة هذه العقبة الكؤود لتقُّدم السُّودان، كما أثبت التاريخ والراهن السياسي السُّوداني. عليه، عندما تتخذ الحركة قرارات عقد تفاهمات سياسيَّة وتمضي فيها، تضع في الاعتبار أنَّها جزءاً مهماً من الحل وليست جزءاً من المشكلة، إذا أخلصت الأطراف الأخرى نواياها، وإلا فهي، أي الأطراف، المشكلة برمتها.
الشيء بالشيء يذكر، الحركة الشعبيَّة ليست غافلة عن الدور الأسود والتاريخ السيء لحزب الأمة القومي في عدم استقرار السُّودان عامة، وجبال النُّوبة بصفة خاصة، وتحديداً، إثنيَّة النُّوبة منذ ظهور ما يُسمى بالثورة المهديَّة إلى يومنا هذا. مع كل ذلك، لم يتجرأ "ناصر جانو" ومَن خوَّله بانتقاد ذلك اللقاء، وهو يعلم علم اليقين أنَّ حزب الأمة القومي يسعى سعيَّاً حثيثاً للحفاظ على امتيازاته التاريخيَّة.
أيضاً، يتحدَّث البيان عن أنَّه "ستكون -هناك- إبادة ثالثة لشعبنا"، وأنَّ "المحرقة والإبادة التي تعرَّض لها شعبنا غيرت نظرتنا ومفهومنا للقومَّية السُّودانيَّة في التعايش أو البقاء في وطن واحد". بهذا الإقرار يؤكِّد البيان أنَّ الإبادة ستحدث للنُّوبة مستقبلاً وكأنَّ الذي يجري حالياً للشعب النُّوباوي من تقتيل في كل الأراضي التي تقع تحت سيطرة الحكومة، ليس بإبادة. كلام عجيب، ويُوحي أنَّ أصحاب البيان لا يقرأون ولا يسمعون، ولا يرون. لذا نذكِّرهم، ولعلَّ الذكرى تنفعهم، يعتبر القتل والاغتيالات التي تحدث يوميَّاً للنُّوبة داخل ديارهم وخارجها إبادة ببطء ودون ضوضاء. والغريب في الأمر أنَّ "ناصر جانو" وجماعته لا ينتقدون الحكومة التي تقاعست عن الدفاع عن المواطنين العزل في جبال النوبة ودارفور والنيل الأزرق ومناطق السُّودان الأخرى التي تقع تحت سيطرتها، بل يكتفون بالانتقاد غير الموضوعي للحركة الشعبيَّة والإساءات لقيادتها. وربنا "يكضب الشينة"، لو نشبت حرب واقتتال بين النُّوبة فالخطاب المشحون بالكراهية والاستقطاب والفتن بواسطة أبناء النوبة هو السبب. ولكن تسعى الحركة الشعبيَّة وجيشها بجدية، وبكل ما تستطيع لوقف هذا العبث، وإفشال هذه المخططات والذرائع غير المسنودة من بعض مروِّجي الفتن عبر الأسافير.
أما الاتهام "الجزافي" بعمل قائد الحركة من خلف "الكواليس" مع بعض رموز المركز وأعوان النظام السابق" في جوبا وكينيا ودُبي، اتهام باطل لا يقف على قدم وساق. وأنَّ كتابة ذرب الحديث غير مجدي ولا سوي. فهل يستقيم الظل والعود أعوج؟ كلا! يعتبر إقرار البيان بأنَّ مفهوم الدولة المدنيَّة يقوم على أساس المواطنة المتساوية، وأنُّ المواطنين متساويين، حسنة وتطوُّر ملحوظ في الفكر نحو لإنسانيَّة، مع أنَّ الحركة الشعبيَّة أثبتت مبدأ المساواة في كل مواثيقها. أما القفز للحديث عن "تقرير مصير جبال النُّوبة"، به سذاجة وسطحية شديدة، على الرغم من أنّهَ حق قانوني دولي لأي شعب أصيل. المضحك حقاً ما معناه تغيُّر مفهوم القوميَّة السُّودانيَّة والوحدة لدي كاتبي البيان. قد لا نتطرَّق لموضوع تقرير المصير لجبال النِّوبة لأنَّنا تناولناه سوياً مع الحكم الذاتي لجبال النُّوبة بتعقيداتهما القانونيَّة وتشابكهما بالتفصيل الممل في سلسلة من المقالات الرصينة ويمكن الرجوع إليها في الشبكة العنكبوتيَّة على هذا الرابط:
https://sudaneseonline.com/board/7/msg/1474243994.html أو البحث في جريدتي الراكوبة ونوبة تايمز الإلكترونيتين وغيرهما. ولكن لا بد من التعليق على هذه الجملة الغليظة.
لقد أتاح لنا برنامج تطبيق الواتساب فرصة ثمينة لقراءة مواضيع متنوعة ومثيرة، والاستماع لتسجيلات صوتيَّة كثيرة لبعض أبناء النُّوبة عن "قضية النُّوبة" وخصوصيَّتها. لقد أظهرت تلك المواضيع والتسجيلات غضب وإحباط الكثير لما يجري في جبال النُّوبة من أحداث مؤلمة وغير مرضية. لهم الحق في ذلك لأنَّها ردود أفعال طبيعيَّة ليس باستطاعة أي فرد منعها، إذ لا يقبل ذلك العقل السليم. ولكن السؤال الموضوعي هو ماذا فعلنا عمليَّاً لتفادي حدوثه؟ هل الركون إلى اللوم والعويل في منصات التواصل الاجتماعي في الشتات حلاً لهذه المشكلات؟ كلا! ما عاب بني جلدتي في شكواهم وعرض حالهم (عرضحالهم) أنَّهم رموا جلَّ غضبهم على قادة الحركة الشعبيَّة في الداخل، بحكم مسئوليتهم، وتحديداً على القائد عبد العزيز الحلو، حتى أعماهم سفورهم ضده من رؤية الجوانب الإيجابيَّة لقيادته ولقادته العسكريين والمدنيين وغيرهم. ينتقد ويغرِّد شركاء المحنة وهم خارج السور، ويزعمون أنَّ من يقودهم عبد العزيز الحلو، أينما كانوا، دهماء وأغبياء لا يفهمون، ويجب اللعب على عقولهم. تالله، ذلك زعم تالف وفاسد، وغير منظور ولا سليم.
الحقيقة الواضحة التي ينبغي أن يعلمها كل الناس، والنُّوبة خاصة، أنَّه لو لا نضالات ووجود الحركة الشعبيَّة وجيشها على أرض جبال النُّوبة وتماسكهم لما بقي شيء للتشاكس حوله. الحركة الشعبيَّة وجيشها هي الحامية الوحيدة للأرض والعرض رغم الصعوبات التي تواجهها. وبفضل ذلك أصبح حال "النُّوبة" و"أهالي الفونج الجديد" في المناطق المحرَّرة أفضل بكثير من أوضاع الذين في مناطق سيطرة الحكومة بما في ذلك من في الخرطوم، عاصمة المحن والإحن. نعم، يعيش ويستمتع مواطنو المناطق المحرَّرة بالحرية التي لا تُشترى، والأمن والسلام، في أنفسهم وفي كل ما يملكون. خوفهم فقط من غدر الحكومة وليس مواجهتها. لِمَ لا وقد نذروا رفاقهم الذين قضى نحبهم بمواصلة النضال حتى النصر. كنا نتوقَّع البديل الصالح والأفضل مما تطرحه الحركة الشعبيَّة من كاتبي البيان لمخاطبة خطب أهلهم المعذَّبين في الأرض، ولكنهم سكتوا تماماً، و"نطوا إلى الحيطة القصيرة"، الحركة أخفقت في كذا و"الحلو" قال كذا وفعل كذا!
في الحقيقة لقد ذكرتُ مراراً كلمة "مجموعته" لأنَّني لا أعرف أعضاء المجموعة، ولا انتماءاتهم السياسيَّة الحقيقيَّة، وميولهم و"هواياتهم" الشخصيَّة. فقط أعلم أنَّهم ليسوا أعضاءً في الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان شمال. وكما نوهت ونبهت في الحلقة الثالثة من هذه السلسلة من تفكيك البيان، أنَّني قد اضطر، اضطراراً، لذكر اسماءً بعينها عند الضرورة. ففي هذه الحلقة وبحكم الضرورة، نذكر شخصين كريمين نكن لهما الاحترام والتقدير. هما الأخ حسين الأحمر والابن كمال كمبال.
فحسين الأحمر، الذي يعيش بعد التقاعد في كمبالا، يوغندا، بحسب ما علمنا مؤخراً، نعرفه منذ فترة طويلة وله إسهامات كبيرة في النهوض بقضية النُّوبة، لا ينكر تلك الجهود إلا جاحدٌ للمعروف والحق. قرأنا له منذ فترة مقالات واجتهادات نقديَّة كثيرة باللغتين العربيَّة والإنجليزيَّة في محاولة منه ليستفيد منها أكبر عدد من أعضاء الحركة الشعبيَّة، التنظيم الذي كان ينتمي إليه. لكنه، خرج طوعاً أو أُخرِجَ كرهاً لأسباب قد تكون موضوعيَّة للطرفين، هو والتنظيم، إلا أنَّ الفراق كان حاراً ومراً فلم يتحمَّل، وأظهر غيظه المكتوم. وللأسف الأسيف، مع كل مجاهداته تلك، طلَّ على الملأ بما لم يتوقَّع منه: كتابات كلها إيحاءات وإشارات مبهمة غير واضحة معنىً ودلالة، ومغلوطة كلها. إضافة إلى ذلك، كان أكثر سفوراً في النقد مما أفقده "حصاد السنون"، أي كل ما قدَّمه من خدمة للقضية بانضمامه لهذه الجماعة!
أما الابن كمال كمبال، الذي يعيش في لندن، المملكة المتحدة، باختياره، هو الآخر له إسهاماته واهتماماته بقضايا الهامش والمهمَّشين أينما كانوا في السُّودان، وكان مرجواً قبل الذي عكف عليه وفيه. إذ قلَّ نشاطه الذي تعوَّدنا على مشاهدته وسماع دفوعاته عن القضية والمبادئ في الفضائيات. اختفى كمال ولم نعرف أنَّ من أسباب الاختفاء انضمامه للمجموعة إياها. بيد أنَّنا استمعنا مثل غيرنا إلى ٨ تسجيلات صوتيَّة بتاريخ ١٨ مارس ٢٠٢٣م منسوبة إليه. لم نستغرب من ذلك باعتبارها رأيه الشخصي في أمرٍ هام وعام، ولكن ما أدهشنا بحق وحقيقة أنَّ ما ورد في تلك التسجيلات من مفردات وجمل، مطابقة تماماً لما جاء في البيان حتى ظننا "أنَّه هو الكاتب"، إلى أن أتانا الخبر الأكيد والعلم اليقين من "ناصر جانو"، مشكوراً، بتقديم شهادة مجروحة بقائمة أسماء لبعض أعضاء "مجموعته. نواصل ....
///////////////////////////

 

 

آراء