بدء تنفيذ مخطط مخرجات مؤتمر القاهرة !!

 


 

 

لقد صار من المعلوم بالضرورة، وبوضوح، بأن القاهرة لن تترك العملية السياسية تمضي إلى غاياتها، بقيام حكم ديمقراطي، تؤول فيه سلطة الدولة لسيادة الشعب. وأن رهانها على العسكر وتوابعهم من فلول الإسلامويين، والمليشيات المسلحة، والمرتزقة، والأرزقية والطفيليين، هو خيارها الأول والأخير في رزنامة استراتيجية علاقتها بالسودان. فعلى من كان في غفلة، أو على شك في هذا الحَوَّل المزمن في بصر السلطة العسكرية/ الخديوية في مصر، أن يعيد البصر كرتين في أمر تفاؤله/ حسن ظنه/ جهله وغفلته.

2
فها هي مخرجات محاولات القاهرة المحمومة لإجهاض الجهود العالمية التي تُبذل داخليَّاً ودوليَّاً وقاريَّاً لتفكيك عُقد خيوط الأزمة المتشابكة سلمياً، وعلى نحو يبعد السودان من شفا السقوط في هاوية التفكك والانهيار.
وقد بدأت ثمار جهودها السامة تظهر واضحة للعيان بعد عودة ممثلي قوى تحالف الثورة المضادة من مصر، وظهور أولى مخرجات مؤتمر التآمر، التآمر ليس على الثورة، بل على السودان وشعوبه. ما يدعونا، بعد استعادة الدولة المختطفة إلى ضرورة عقد محكمة ميدانية لكل من شارك، ولو لم يحضر جلسات مؤتمر التآمر والخيانة العظمى في القاهرة، ومن ساهم في عقده سواء بالفكرة أو بالتحريض والتنفيذ.

3
لقد بدأت مخرجات مؤتمر القاهرة تظهر تباعاً كلما تقدمت العملية خطوة، رغم سلحفائية سيرها الذي يبطئ تقدمه تلكؤ ثلاثي جوبا تطبيقاً لمبدأ تكتيك "كسب الوقت". حيث أخذ سيناريو إجهاض العملية صيغة رسائل فاضحة في وضوحها، تكشف الخطوة التالية للاعب الرئيسي، أي البرهان ولجنة البشير الأمنية، والقوى المصطفة خلفهم:
- رسالتين من محمد الأمين ترك، يهدد فيهما بقطع الطريق على أي اتجاه أو مسار تأخذه العملية السياسية الجارية.
يحذر في الأولى قائلاٍ : إذا تم تشكيل حكومة ونحن لسنا جزء منها سنغلق الشرق مره آخرى (1)
ألحقها برسالة تهديد أقوى لدى مخاطبته الورشة التنويرية لقضية شرق السودان في ضوء مخرجات ورشة القاهرة قاطعاً بأن "لا تراجع عن وثيقة ورشة القاهرة ولو استدعى حمل السلاح (2).

4
- ورسالة من المليشيات (المدنية) التي انتحلت اسم وصفة القوات المسلحة الرسمبة(الدستورية) تحت سمع وبصر رئيس الدولة والقائد العام للجيش وجهاز الأمن والشرطة والكشافة أيضاً. (أم بموافقته ؟!).
حيث جاء في الأخبار أن لجان مقاومة مدينة رفاعة "حذرت من تحركات عسكرية لمليشيات درع السودان، قد تجر المنطقة على فتنة تعرض حياة المواطنين إلى الخطر. وتخطط المليشيات التي يُتهم قائد الانقلاب بالوقوف وراءها، لإقامة عرض عسكري جديد في مدينة رفاعة (بولاية الجزيرة)، بعد إقامة عرضها الأول في ديسمبر الماضي بسهل البطانة، تحت مرأى ومسمع القوات الأمنية (3).
بالفعل لم يعد هناك دولة وسلطة مركزية مسؤولة طالما المتمردين يدخلون المدن ويعلنون عن أنفسهم، وينسبوا خيم احتفالاتهم ولا توجد قوة نظامية تمنعهم !.

5
- ثم الرسلة الثالثة والجامعة للرسائل السابقة لتصب عنده, أتت هذه المرة من قائد الانقلاب البرهان، الذي صرح قائلاً بأن: دعم الجيش للاتفاق الإطاري رهين بدمج الدعم السريع في صفوف الجيش !!ز مضيفاً: "ودا هو الفيصل بيننا وبيننا الحل الجاري الآن".
ولم ينس البرهان – كعادته – أن يُذكِّر الناس ملوحاً بتهديد واضح، قائلاً بأنه: " لو في أي زول متخيل إنو في جهة ممكن تخوف الجيش أو ممكن تهزم الجيش نقول ليهو انت غلطان" (4).
من الذي يخاف منه، أو يخوِّف الجيش ؟. بالطبع ليس ثوار لجان المقاومة السلمية، ولا يمكن أن تكون "قحت" المركزية، ولا الجذريون ناس الحزب الشيوعي والبعثي ومن معهما، وبالطبع ليس الموزاب والأرادلة، وهم في السلطة الانقلابية يتقلبون في نعيمها. لم يبق سوى حميدتي والدعم السريع.
وكما قال أحد القراء معلقاً: مافي حد بخوف الجيش ؟؟!! هل هذا كلام قأئد لجيش "!. هل تخاطب الخارج ام الداخل ام الاثنين معا ؟!.

6
لقد عاد لمحطة الخلاف بينه وبين حميدتي في محاولة لاستثمارها لصالح هدفه للتشبث بالسلطة حسب مخرجات مؤتمر القاهرة التآمري ومحاولاتها المستميتة لإجهاض الانتقال الديمقراطي.
فإذا كان حميدتي بالفعل هو البعبع الذي يجعله يتحجج للتملص من العملية كلها، فإنني لا أجد أبلغ مما عبر عنه قراء بسيطون ولكن لا ينطلي على ذكاءهم و وعيهم مثل هذا الهراء (5).
وتحتار في زئبقية ومراوغة الرئيس الذي نسي أنه كان أعلن في الرابع من يوليو الماضي (2022) بأنه سيتم تشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة من الجيش والدعم السريع، بعد تشكيل الحكومة التنفيذية.
(لاحظ تقارب تواريخ هذه الحركات المتزامنة)
على كلٍّ.
تعليقات القراء على حديث البرهان تدفعنا إلى الالتفات لرؤية الوجه الثاني لصورة المشهد كما تبدو بين قوى الثورة الحية، وإلى جس نبض الشارع الثوري، واستقراء موقفه من مناورات قوى الثورة المضادة، وردات فعله على ما ظهر من مؤشرات تنفيذ مخرجات مؤتمر العمالة في مصر.

7
ما يثلج الصدر إنك ستجد في مواقفهم ما يسوء القاهرة الرسمية ومن أموَّا موائدها.
- فبالنسبة لتصريحات وتهديدات (ترك) مرة بقطع الطريق القومي واغلاق الميناء، ومرة التهديد بحمل السلاح، كاشفاً عن استهانة مسيئة بحق مشغليه أنفسهم قبل الدولة وأمنها.
في مواجهة هذا الهمبول(6) الذي لا إرادة له، تحركه الرياح كيفما شاءت وأينما اتجهت بوصلتها، أعلنت مجموعات سياسية واجتماعية مؤثرة في شرق السودان رفضها القاطع لإقامة قواعد عسكرية أجنبية على الأراضي السودانية باعتبارها تشكل تهديداً أمنياً للبلاد.
ودعا المشاركون في ورشة الإطار إلى ترسيم الحدود مع إثيوبيا وإظهار العلامات الحدودية، وفرض هيبة الدولة بقوة لوقف تعديات ميليشيات وعصابات "الشفتة" الإثيوبية على الأراضي السودانية، واسترداد مثلث "حلايب وشلاتين" من مصر.
وذهبوا أبعد من ذلك إذ أوصوا بإبعاد الإدارة الأهلية و"زعماء القبائل" عن التدخل المباشر في السياسة، ومراجعة القوانين التي تحدد سلطات الإدارة وصلاحياتها، ومنع زعماء القبائل من استغلال نفوذهم لإقحام المكونات الاجتماعية في تمرير أجندات سياسية ليست في صالح الإقليم (7).
ما يؤكد تمدد الوعي الرشيد بالمصالح القومية العليا بين أهل الشرق.

8
- بالنسبة لمليشيا/ همبول "درع السودان" التي تلقت تعليمات بالتحرك إلى رفاعة لإرباك مشهد سير العملية السياسية، لتهيئة المناخ الأمني والسياسي والاجتماعي، لتأمين الغطاء الملائم الذي تتحرك تحته لجنة البشير الأمنية لقلب الطاولة على ترتيبات لعملية السياسية بدعم خارجي من مصر، ودعم داخلي من الفلول والومزاب.
فقد تصدت له لجان المقاومة وقوى الثورة بمحلية شرق الجزيرة ومدينة رفاعة ، وأكدت في بيانها أن تحركات مليشيات درع السودان، ما هي إلا محاولة يائسة لعرقلة التحول المدني الديمقراطي، وواجهة من واجهات فلول النظام البائد باسم المناطقية والقبلية. وهكذا أثبتت قوى لثورة الحية يقظتها ووعيها بكشفها الملعوب، وتسمية والأصابع التي تقف وراءه.

9
- أما محاولة البرهان وضع "دقار" تحت إطارات عربة العملية السياسية بِرهنْ التزامه و(الجيش!) بالاتفاق الإطاري بدمج قوات الدعم السريع، فإن حميدتي – وقد كان أذكى – سبقه وسحب هذا الكرت قبله، وأعلن التزامه غير المشروط بالاتفاقية بكل بنودها بما فيها الدمج، والعدالة (وفي الأخيرة هذه يبدو أنه يحتفظ بكرت جوكر ضمن أوراقه يضمن به الفتوح)، وقد صرح أمام الجميع بأن الاتفاقية فرصة أخيرة لتجنيب البلاد خطر التمزق.

خلاصته.
الشعب أقوى وقواه الثورية أوعي. وعلى الطرف السياسي الذي يمثل قوى التغيير أن يضع هذا الوعي المتقدم لمن يمثلونهم، فوق كل اعتبار. فمفتاح الحل بيدكم، تكفي ضغطة زر عليه وتنفتح الأبواب المغلقة وتتحطم مغاليقها الصدئة. بين يديكم وعي وعزيمة وإصرار قوى الثورة الحية، هي مصدر قوتكم في مواجهة ترسانة من تفاوضون، وبمفتاح الشفافية الشفافة تستطيعون ترجيج كفة ميزان القوة لصالحكم.
أشركوهم، وافسحوا المجال لهم أمامكم، يتقدمون.
وسيرى العالم النتيجة ... وترون
فاصل ونواصل
اعتذر على القطع لنعاود مسلسل "العجل المقدس".
مصادر وهوامش
(1) موقع صحيفة الراكوبة التقني، بتاريخ 13 فبراير، 2023
(2) المصدر السابق، بتاريخ 15 فبراير، 2023.
(3) المصدر السابق، بتاريخ 16 فبراير، 2023. ". وجاء في الخبر، أن "سياسيون تحدثوا لصحيفة (الديمقراطي) في وقت سابق، بأن “قوات درع السودان العسكرية، التي أعلن عن تشكيلها مؤخراً، هي صناعة كيزانية خالصة، مؤكدين أن النظام البائد عمل على تكوينها وتدريبها، بمباركة قائد الانقلاب الجنرال عبدالفتاح البرهان".
(4) م. س, بتاريخ 16 فبراير، 202
(5) قالوا يردون عليه، وهذه مجرد نماذج عشوائية (واعتذر على إيراد أسماء أصحابها كما رمزوا إليها في موقع صحيفة الراكوبة ألرقمي دون إذن منهم):
" بدر الدين:
17 فبراير، 2023
ما دام الاتفاق الاطاري ينص علي دمج الدعم السريع والحركات في الجيش فالجقلبه في شنو ؟؟؟ وقع الاتفاق الاطاري ونفذو هذا البند ما دام هو مطلب ليكم".
"باكاشوف:
16 فبراير، 2023
حمبك تاني؟؟
مدام ما مافي جهة تخوف الجيش ما تدمجه انت !!! ولا عايز السياسيين يدمجوهو ليك؟ مئة مرة مش قلت ليكم دا محمود الكذاب!!"
" سوميت:
17 فبراير، 2023
يبقى السؤال ما دلالات هذا التصريح وهو القائد الأعلى وبإمكانه إصدار دمج قوات الدعم بعيداً عن المزايدات السياسية ومحاولة رمي الكرة بعيداً …. البرهان في محاولته هذه يريد أن يحكم حتى ولو أدى الصراع للمواجهة بينه وقوات الدعم التي أيدت الاتفاق الإطاري بشكل قوي".
(6) الهمبول، يسميه المصريون "خيال المأتة" فزاعة للطيور تنصب في وسط الحقول، وهو نصب من أعواد القصب على هيئة رجل يكسى بقطع أقمشة ملونة.
(7) الراكوبة ، بتاريخ 16 فبراير، 2023

izzeddin9@gmail.com

 

آراء