شرطة النظام العام وتجريب المجرب

 


 

 

لقد طغي اللصوص بلا رادع
قلت هذا سيفي القاطع
ما حاجتي للسيف مشهورا
ما دمت قد جاورت ( كافورا)
( أمل دنقل)
جاء في الأخبار أن لجنة المخلوع الأمنية،( وهذا هو الأسم الرسمي لعساكر مجلس السيادة، بعد أن أطاحوا بالمدنيين، الذين لم يشعر أحد بوجودهم، ولم يفتقدهم أحد بغيابهم. فهم تماما ينطبق عليهم وصف الغوغاء الذي أتي في نهج البلاغة منسوبا للإمام علي بن أبي طالب باب مدينة العلم، إذ قال: ( أن الغوغاء إذا أجتمعوا أضروا، وإذا تفرقوا نفعوا) وقد ورد أيضا أنهم إذا تفرقوا لم يسمع بهم أحد. وعندما سئل عن كيفية نفعهم ، قال: أن الصانع يرجع لصنعته ، والزارع لزراعته. أي أنهم لا ترجى منهم منفعة مباشرة، هذا ما ينطبق قولاً وفعلًا على المدنيين في مجلس السيادة، من منكم سمع ( ببرطم) ومن منكم سمع بذلك العضو الصامت، ومن منكم سمع بسلمى عبد الجبار، بعد أن تفرقوا؟ ) لجنة المخلوع الامنية فكرت ثم قدرت، ثم أعادت البصر الخاسئ الحسير كرتين، ومن ثم تفتقت عبقريتها الفذة بإعادة إختراع العجلة، والعودة مجدداً لتفعيل قانون شرطة النظام العام، هذا القانون إختراع كيزاني صرف بجميع حقوقه المحفوظة، وذلك لأنه لا توجد عقلية تتمتع بسوء الظن العريض، إلا في أذهان من إبتكروا هذا القانون. هذه الشرطة لا صلة لها من قريب أو بعيد بتغيير السلوك المجتمعي، كما أدلى بذلك الناطق الرسمي باسم الشرطة، الذي قال: ( أن لدينا تقاليد وأعراف لا تقبل اللبس الفاضح والظواهر الدخيلة) دون أن يحدد لنا ويعرف ماهية هذا اللبس الفاضح، ويعرف لنا أيضاً الظواهر الدخيلة. أنه كلام مُرسل ، تعودنا سماعه من الذين تعوذهم الحاجة للإقناع.
سعادة العميد (عبد الله بشير البدري) ، لم ير قوات ما درج تسميته ب ( تسعة طويلة) تنهب المارة في وضح النهار، ولم يسمع ما عرف بإسم ( النيقرز) رغم تحفظنا على الإسم ، وهم يشهرون السواطير والمسدسات ، وشرطته تراقب ذلك وكأن الامر لا يعنيها، ساعتها فّعّل الموطن السوداني قانونه الخاص، وكأنه يقول لسعادة العميد شرطة ، معليش ما عندنا شرطة ولا جيش، وأخذ يطبق قانون الدفاع عن المال والعرض بنفسه، ساعتها أنحسرت قليلًا حملات تسعة طويلة والنيقرز الإنتقامية. ثقة هذا الشعب الجسور الأبي في الشرطة وصلت مرحلة الحضيض وما دون ذلك ، إن كان هنالك دون أكثر من ذلك، لذلك وبحسهم العالي أدركوا أن تسليم هؤلاء إلى الشرطة يعني إطلاق سراحهم اليوم التالي، أن لم يكن في ذات اللحظة. مثل هذا العميد يحدثنا عن العادات والتقاليد والاعراف، والظواهر الدخيلة، هل هناك ظاهرة دخلية أكثر من إقتحام البيوت وترويع النسوة والأطفال بالسلاح الأبيض والناري، وثم نهب الممتلكات؟ أن الشرطة التي تعجز عن حماية شعبها، لا يحق لقادتها الأقزام الحديث عن عادات وتقاليد ، اسقطوها هم يوم أن إرتضوا أن يكون أدوات في يد النظام، يستعملهم في القتل والإغتصاب، ويرميهم ليواجهوا المحاكم لوحدهم يوم ان تّدلهم المواقف وتبلى السرائر. ٍ المواطن المغلوب على أمره، تجده متهم من دولته حتي يثبت براءته، الدولة الفاشلة لا تفكر في رفع معاناته ، ولا في عيشه الكفاف، بل تنظر إلى ملابسه الداخلية ، وطول (إسكيرت )أو( بلوزة ) الفتاة. يجتهد ما يطلق عليهم ( العلماء) في تدبيج الفتاوي التي تٌحرم كل ما لا يروقهم، بل ما يروقهم هو فتاوى شاكلة تحديد طول المسواك الشرعي، وماذا ترتدي الفتاة. ولا نسمع لهم صوتاً طالما اخرسه الله، وذلك جراء قبولهم بالدنيئة ، ولم يفتح الله عليهم بكلمة في علاقات دولتهم مع إسرائيل، وفي قبول ( سيداو) ، وهم الذين ضربوا الخدود، وشقوا الجيوب في ذات الإتفاقية إبان رئاسة د. حمدوك، ووظفوا ممثلا يحكي بجهل من لم يطالع منها سطرا. لنرى ماذا سوف يقول علماء البلاط هذا بعد أن وافقت عليها دولتهم السنية بحسب تصريح وزير خارجيتهم المكلف.
نموذج هذه الدولة الفاشلة بكل مقاييس النجاح، هو النموذج الأفغاني، تلك الدولة التي أمعنت في التخلف وأبحرت في مجاهل الظلمات، بعد أن تركت مواطنها يصارع الجوع والجهل والمرض، وإنصرفت لتصدر اوامرها بطلاء المنازل باللون الاسود، وجلد كل من لم يطل بيته بالسواد، وكأن ظلمات الجهل والبؤس لم تكفهم، عندما تساءل العقلاء منهم لماذا اللون الأسود، كان رد هيئة علماء ذلك البلد المنكوب أفغانستان ، أن العباءة والنقاب لونهم أسود، وجدران المنزل مطلية بالطلاء الاسود، وبالتالي فأن الرجل الذي على ظهر ناقة أو جمل تعتم لديه الرؤية ، فلا يستطيع أن يستبين المرأة من الجدار. إجتهاد يشكرون عليه. كان هذا في دولتهم الاولى ، أيام إ ستضافتهم ( بن لادن).
الدول الفاشلة شاكلة دولة البرهان وارث المخلوع، ودولة أفغانستان لا يهمهم إن مات أو غرق أو حرق نصف السكان، كما هو موقف دولة البرهان الان من غرق أهلنا المتعمد في منطقة المناقل.العالم يسارع باقامة الجسور الجوية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وشرطة البرهان دشنت حملاتها بحلاقة الرؤوس. صارت الشرطة الان أداة من ادوات إرهاب الشعب، وهي محاولة سوف لن يكتب لها النجاح لكسر شوكته وإسكات صوت الشارع.
قانون شرطة النظام العام منح سلطة تقديرية واسعة لمنفذ القانون وهو الشرطي الذي نراه يومياً. وهو الذي لم يؤهل فنيا من ناحية التدريب العسكري، ولم يؤهل قانونيا ليتولي أمر تنفيذ القانون. المادة (152 ) لم تحدد شكل الزي الفاضح، والمادة (153) هي الأخرى لم تحدد ماهية الأفعال الفاضحة. وبهذا فان الشرطي منفذ هذا القانون قد منح سلطة تقديرية واسعة ، فتخيل عزيزي الكريم مصير من أوقعه/أوقعها حظه/ حظها العاثر في يد هؤلاء؟. إذن تفسير مفردة الزي الفاضح مٌنحت بكل كرم لفاقد تربوي. هناك مساحة واسعة تركت لمنفذ القانون يتجول فيها براحته، وهم من شهدنا لهم بقطع الطريق، والسرقة والرشوة والإبتزاز. هذا الشرطي يمكنه إشهار سلاح الزي الفاضح في وجه أي بنت أعجبته، في أخريات أيام المخلوع أوقف وكيل نيابة يدعى ( عبدالرحيم الخير) في قصة مشهورة الناشطة ( ويني عمر)، بتهمة الزي الفاضح، وعندما فشل في إثبات التهمة،( وهي كما ذكرنا سابقا أنها جملة مطاطية) لجأ إلى البحث عن تهمة أخرى وهي أن ( مشيتها لم تعجبه) هذه دولة تحدد لنا كيف نمشي. وقد فتح في مواجهتها بلاغ رغم أنها كانت ترتدي ( إسكيرت) مسدول حتى أخمص قدميها.
رجل بوضاعة وكيل النيابة هذا، رأينا كيف يمكنه إستغلال القانون، الذي غاب عن مشرعه تفسير الزي الفاضح. فما بالك برجل شرطة فاقد التأهيل الفني والأخلاقي. هذا الشرطي الذي لم يعترض والدولة تسلحه بساطور مثله مثل أي قاطع طريق. وقد شهدنا ذلك الشرطي الذي إنهال بالحجارة على إمراة كبيرة في السن،فقط لأنها كانت شاهدة على سرقته للدراجة النارية من على شرفة منزلها، في مشهد يؤكد على غربة هؤلاء عن عادات وتقاليد هذا الشعب الأبي الكريم، أنظر المتحدث الرسمي بإسم هولاء الغوغاء ، يحدثنا الناطق الرسمي لشرطة البرهان عن تقاليد وأعراف هذا لشعب، التي يجهلها هو، والتي لا تبيح لعسكري ساقط أن يلقى بالحجارة على إمرأة في عمر والدته ، وكان الأجدر بناطق الشرطة الرسمي أن يتعلم عاداتنا وتقاليدنا نحن أولا.

د. عادل العفيف مختار
adilalafif@hotmail.com

 

آراء