قراءة فى الخطاب الحكومى نحو قضية دارفور

 


 

 


helhag@juno.com
د. حسين آدم الحاج/أمريكا
تمهيد:
عادت قضية دارفور, مثلما كانت, تفرض نفسها بقوة فى وسط العراك السياسى السودانى المتفاعل فى شتى الإتجاهات فى الفترة الأخيرة, وبالرغم من حرج التوقيت على المستوى المحلى بدارفور أو على المستوى القومى إجمالاً, إتسم الخطاب الحكومى نحوقضية دارفور بخليط من عدم الرؤية والحصافة, مع محاولة مترددة للتملص أولاً من مسئوليتها الجسيمة فى تعميق الأزمة فيها من أساسها, ثمَّ محاولة التملص ثانياً من تحمل مسئولياتها الواجبة عليها فى حلها, إنَّ محاولة إتهام أهل دارفور بأنَّهم أساس المشكلة, وأنَّ الحل من ثمَّ فى أيديهم, ما هى إلاَّ مجافاة للواقع ومحاولة للهروب إلى الأمام لا تزيد الكارثة المشتعلة على أرض دارفور إلاَّ ضراوة ودماراً. ولقد سبق أن نبهنا إلى ضرورة أن تتبنى الحكومة لخطاب عاقل فى تناولها لهذه لقضية, وأن تكف النظر إلى طبيعة صراعها مع القوى هناك على أساس مهزوم ومنتصر, أو تسجيل نقاط خصماً عليها, إذ أنَّ ذلك لا يجدى وهى ذات الفلسفة التى عمقت من مشكلة الجنوب إلى الدرجة التى أصبح فيها مستقبل وحدة السودان فى كف عفريت. ومما يعقد الأمور بالنسبة لحالة دارفور هو إنعدام الثقة المتبادلة بين أهلها والحكومة إجمالاً ووجود حالة عظيمة من الشكوك والحذر تجاه بعضهما, وبينما تعلم الحكومة ذلك جيداً ألىَّ أنها تفشل دائماً فى تقديم خطاب توافقى مما يزيد فى تعميق عدم الثقة فى سياساتها نحو الأهالى هناك, يتساوى فى ذلك حتى المنتمين لها, وهم فى ذلك يقارنون دوماً أقوال الحكومة مع أفعالها فلا يجدون صعوبة فى ملاحظة الفروق الواضحة والثقوب الواسعة التى تتخللها, أو ما يبدد من قناعاتهم المتجذرة, مما يستوجب على الحكومة أن تبادر بمعالجة ذلك  عن طريق زرع الثقة بالكلمة الصادقة والحكمة الحسنة, فأهل دارفور, قبل كل شيى هم أهل حكمة, سيساعدون الحكومة كثيراً إن هى صدقت معهم.
سنتعرض فى هذا المقال لحدثين تناولت فيهما الحكومة, وفى خلال يومين متتاليين, تطور الأوضاع فى دارفور, أولهما مخاطبة الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية ونائب رئيس المؤتمر الوطني لحشد من أبناء دارفور أعضاء المؤتمر الوطني بحضور أمناء الأمانات والقطاعات بالتنظيم الحاكم أمسية الأحد 12/10/2003م وقبيل مغادرته لكينيا لمتابعة مفاوضات السلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان, أما ثانيهما فهو بيان مستشار الرئيس الأمني اللواء طبيب الطيب إبراهيم محمد خير بالمجلس الوطني حول إتفاقية أبَّشي يوم الأثنين 13/10/2003م. لقد جاء الحديثان مليئان بالتناقض ولى الحقائق وحتى نكون منصفين فى تحليلنا لهما سنجعلهما "متناً" وستكون قرائتنا "حواشى" لتبيان مناطق الزلل ومزالق التناقض, كما أنَّ طبيعة الأوضاع فى دارفور, والماثلة أمامنا بقوة, تعيننا والقارئ فى قياس ما ورد فى حديث الرجلين عطفاً على حقائق الأحداث فى أرض الواقع هناك.
حديث النائب الأول:
إبتدر النائب الأول حديثه بأسلوب إنقاذى مليئ بالوعود الوردية مدغدغاً مشاعر النواب ومعتبراً ذلك اللقاء الخاص فى تلك الأمسية الدافئة بمثابة بيعة (بيعة لتأكيد البيعة وعهد لتوثيق العهد), وأنَّ ما تمَّ إبرامه سابقاً فى إتفاقية أبَّشى لوقف إطلاق النار بين حركة تحرير السودان والقوات الحكومية, والتى سبقت مفاوضات نيفاشا الأولى (كانت لنا شد ظهر وكانت لنا تقوية إرادة), وأنَّ الأمر فى دارفور (سينتهي إلى أفضل مما كان عليه في السابق وأنها ستتقدم لتقود موقعها وتأخذ موقعها في المسير في خريطة السودان الجديد الذي نطمح إليه), بل أنَّه فى خريطة السودان الجديد (فإن المجمع الصناعي الحقيقي سيكون هناك في جنوب دارفور حيث المعادن والنحاس والحديد وسائر الخامات التي توفر مدينة السودان الحقيقية), وأنَّه كى نقيم النهضة هناك فإننا (نريد الكهرباء لنستخرج الحديد والنحاس ونعمل أكبر مدينة صناعية في افريقيا, نريد توصيل الكهرباء وفي أحلامنا وتخطيطنا ومشاريعنا للسودان الحديث الكبير الجديد مشاريع طموحة لربط السودان بشبكة توليد الكهرباء الكبرى في حوض الكنغو وزائير لتمتد لدارفور لتوفر لنا كهرباء رخيصة تعيننا على إنتاج اقتصادي في مدينة السودان الصناعية الكبرى بإذن الله, تحسبونه بعيداً ونراه قريباً), ونتحدث أيضاً عن أحلام كبيرة لدارفور و (عن مد شبكة السكك الحديدية لتصل السودان عبر دارفور بتشاد وتمتد إلى أن تصل مشارف المحيط, وقد بدأنا نعد العدة لذلك الآن ونجري لها الدراسات), ونتحدث عن دارفور التي نريدها أن تربط وأن تصل غرب أفريقيا وعبر السودان بشرقها ووسطها وجنوبها عبر طرق قارية لا طريق واحد (وموقع طريق الإنقاذ الغربي لن يكون إلا قطاعاً من الطريق القاري الأكبر الذي يربط القارة الافريقية من جوهانسبرج إلى دوانا على المحيط الهندي وإلى أطرافها على البحر إن شاء الله), (ونحن في هذا ملتزمون بكل ما وعدناكم به وبكل ما قطعته الإنقاذ على نفسها وهو عهد عليها أن توفيه, هل جربتم على الإنقاذ كذباً؟ هل جربتم عليها نكوصاً في العهد؟ إذن فكل ما التزمت به الإنقاذ ستوفيه بإذن الله مهما ظنه الناس بعيداً)!
لا أدرى أنَّ خطاباً مثل هذا قد يجدى فى وقت تزهق فيه كل يوم عشرات الأنفس دونما سبب إلاَّ لكونهم سكنوا ذلك الإقليم, بل إنَّ التحليق على أجنحة الوعود الجوفاء لمواجهة الواقع المأساوى الذى يعيشه الإقليم فيه نوع من الإستخفاف وعدم المبالاة بأرواح أناس أبرياء فشلت الدولة فى تكريم آدميتهم وضمان حقهم فى الحياة فى أبسط صورها لهم, ويبدو جلياً أن النائب الأول كان يخاطب ذلك الجمع ويفسر نظراتهم المركزة نحوه بكثير من الأسئلة الحائرة ويجتهد فى ذات الوقت للبحث عن إجابات ظلت معلقة طيلة عهد الإنقاذ, ولذلك جاءت مقدمة حديثه مضمناً بعض الإسقاطات الواضحة إزاء المقارنة بين الحال فى دارفور وبقية مناطق أخرى فى السودان, خصوصاً فيما يتعلق الجوانب التنموية مثل التصنيع والمعادن والكهرباء ومد خطوط السكك الحديدية و(طريق الإنقاذ الغربى), وهى كلها إسقاطات عن قضايا حاصرت ذاكرة النائب الأول فى تلك اللحظات لم يجد من مخرج لها سوى التعلق بالأحلام الوردية والوعود المعلبة التى ظلَّ أهل دارفور يسمعونها منذ عهد الأستقلال, إنَّ المشاريع التى تحدث عنها الرجل هى فى جلها مشاريع ربع قرنية, على أقلَّ تقدير, دعك عن مشاكل عصية تكتنفها مثل التمويل والإتفاقات الدولية والجوانب الأمنية والسياسية وغيرها, وعلى كل فإنها حديث مجالس السياسة لا تعيش إلاَّ بمقدار تلك السويعات التى لاكتها الألسن خلالها.
ثمَّ بدأ النائب الأول يكون واقعياً أكثر فى حديثه عندما تناول مسألة المياه, وهى من ملفات قضية دارفور الصعبة, منبهاً إلى أنَّ الأعوام 2003م  و 2004م  و 2005م هي الأعوام التي تنتهي فيها قضية المياه بالإقليم, وأكد إنحياز الحكومة لإنشاء مشاريع مياه الريف من خلال حفر الآبار والسدود والحفائر, كما بشَّر فى الإجتماع ب (أننا قد حصلنا على موافقة الصين لتمويل حوض مياه البقارة وحل مشكلة مياه نيالا. هذه تفوق مبلغ 25 مليون دولار وبذلك تكون جملة تمويل المياه تجاوزت السبعين مليون دولار). مثل هذا الخطاب هو الأنسب مع الحالة التى يعيشها الإقليم حيث لا تنفع الوعود الرنانة التى شبع منها الناس من مختلف الحكومات وقادة الأحزاب, ولو أنهم أوفوا بمعشار ما قطعوه لأهل دارفور لما كانت هناك ثورات وحركات مسلحة ولإنتفى الغرض من حمل السلاح فما من مرء يعرض روحه للمخاطرة ويركب الصعاب إن لم يكن مجبوراً عليه.
غير أنَّ النائب الأول سرعان ما أشاح بوجهه عن مثل هذه اللغة التوافقية عندما بدأ يتحدث عن الحالة الأمنية بالإقليم, وبدا نافياً ومنكراً لمسئولية حكومته عمَّا يجرى هناك: (يا أخواننا دعونا نكون صادقين ونواجه مسؤولياتنا فإن الأمن في دارفور ليس بقضية الحكومة الإتحادية)!, (أنتم الذين من بينكم يسقط القتلى, وأنتم من بينكم الذي يطلق النار ويجمع السلاح ويصوبه إلى صدر أخوانه وبني عمومته, كل هذه الحقائق تعرفونها, فلنتبع مسؤوليتنا ولنواجه حقائق الأوضاع ولا نعلق الشماعة على شبح ولا على طرف ثاني), (كفانا مزايدة وصياحا في الاعلام ورميا للاشباح وبحثا عن الشماعات, القضية ليس حلها في الخرطوم القضية حلها هناك في كل محلية وفي كل منتجع وفي كل مؤتمر قبيلة وفي كل مقر ومدينة)! إذاً, ما هى مهمة الحكومة؟ أوليست من أوجب واجبات أى حكومة هى حفظ الأمن والضرب على يد العاصين والخارجين عن القانون؟ وإذا لم تفعل الحكومة ذلك فمن الذى سينوب عنها فى القيام بأقدس مهمة متعلقة بعنقها متمثلة فى حفظ الأنفس من القتل والسحل؟ إنَّ سعادة النائب الأول بقوله إنَّ الأمن في دارفور ليس بقضية الحكومة الإتحادية ينسف أى شرعية لوجود الحكومة نفسها, وإذا كان يقصد بذلك الحكومات الولائية بالإقليم فذلك أدهى وذلك لعدة أسباب: أولها أنَّ الأمن القومى مسئولية لا تتجزأ يتساوى فى ذلك كل الأجهزة العاملة بالدولة على قدم المساواة كل فى مجال مهمته, ثانياً أنًّ الحكومات الولائية بدارفور قد فشلت فى إستتباب الأمن وإشتكت لرب السماء فى قصور إعدادها لتلك المهمة يشهد عليها المناشدات المتكررة للمساعدة التى ظلَّ يطلقها الفريق إبراهيم سليمان وزير الدفاع الإتحادى السابق والوالى السابق لولاية شمال دارفورعند بدء أزمة الحركة المسلحة بدايات هذا العام, فإذا كان وزير الدفاع القومى قد شهد بذلك فكيف للحكومات الولائية التى عينتها الحكومة ثم أطلقتها وراء المساكين فى الحملات اليومية الجائرة لجمع الجبايات أن تكون لها الإمكانيات لمواجهة مثل تلك الأزمات؟
إنَّ إحدى معضلات نظام الإنقاذ فى تطبيق نظام الحكم الولائى, وربما الفدرالى لاحقاً, هو عشوائية العلاقة بين الولاية والمركز, ففى مجالات مثل الأمن والدفاع المدنى تتحدد مسئوليات الولاية بسقف معين ليتدخل بعدها المركز إذا تطورت الأمور إلى المدى الذى تعجز فيه الولاية عن التصدى لها أو تحملها, وكمثال فإنَّ الذين يعيشون فى أمريكا يعرفون أنَّ لدى الرئيس الأمريكى (أو المركز) صلاحيات واسعة لتحريك آليات الدولة لمساعدة أى ولاية متأثرة بكارثة ما مثل أعاصير الهيروكين أو حرائق الغابات أو العواصف الثلجية وغيرها فكيف بمنطقة تنطلق فيها مليشيات تحمل السلاح وتمارس جرائم التطهير العرقى وإبادة الإنسان! ولذلك فإنكارالنائب الأول لمسئولية الدولة عن الأمن فى دارفور وتهديده (كفانا مزايدة وصياحا في الاعلام ورميا للاشباح وبحثا عن الشماعات) حديث غير موفق أبداً وليس بناءً فى عملية التصالح الوطنى ويدين النائب الأول إبتداءً بحكم وظيفته ومسئوليته كراع فى الدولة.
وربما يكون الأمر أكثر إستغراباً إذا إكتشفنا علاقة الحكومة نفسها بمليشيات الموت فى دارفور, أو ما يعرف فى الإعلام بالجنجويد, فهؤلاء هم لب المشكلة وأساس الخلل الأمنى اليوم فى تلك المنطقة, وبالرغم من إنكار الحكومة لعلاقتها الوثيقة بمليشيات الجنجويد إلاَّ أنَّ كل الشواهد لا تدل إلاَّ على تأكيد وجودها, وقد بدت الشواهد واضحة بعد مأساة إستباحة ومذبحة مدينة كتم الأليمة فى 5 أغسطس 2003م, والتى ما زالت الحكومة تتكتم على تفاصيلها بعد التحقيق الرسمى الذى أجراه قاضى وسلم تقريره لوالى شمال دارفور بعد حوالى شهر من تلك المذبحة, لقد أشارت مذكرة محامي دارفور بالخرطوم لوزير العدل علي محمد عثمان يس, وطالبوا فيها بتكوين لجنة تقصي حقائق فيما ارتكب من جرائم ضد الانسانية بمدينة كتم وما حولها, إلى "إعتداء مجموعة من الجنجويد علي مدينة كتم حيث عاثت فيها فسادا من قتل وتدمير للممتلكات ونهب بصورة انتقائية وأنَّ القوة تم تسليحها وتدريبها بواسطة الحكومة", كما إتهمت المذكرة بعض القيادات التنفيذية وبعض المسؤولين في الوزارات السياسية وراء ما ارتكب من مجازر وانتهاكات لحقوق الانسان وطالبت المذكرة بالتحقيق مع هؤلاء بغرض المساءلة الجنائية (صحيفة الأيام 18 أغسطس 2003م), وبالرغم من إدانة والى ولاية شمال دارفور لذلك الهجوم وإتهامه "لفئة ضالة منفلتة من بعض القوات الراكبة التي تدعي مساندة الحكومة" (صحيفة البيان 20 أغسطس 2003م) إلاَّ أنَّ الأمين العام للحزب الحاكم بروفسير إبراهيم احمد عمر نفى ذلك وأكد على عدم وجود أي جهة تقوم باعمال مسلحة إلا في إطار القوات المسلحة وذلك رداً علي بيان والي شمال دارفور  أكد فيه مهاجمه فئة ضالة تدعي مساندة الحكومة لمدينة كتم (صحيفة الأيام 18 أغسطس 2003م), إذاً أين تكمن الحقيقة فى هذا الجو الملَّغم بالتضارب؟ لقد إستنكرالنائب البرلماني علي حسين دوسه المحامى, عضو الدائرة 78 نيالا بالمجلس الوطني, تبنى الحكومة لتلك المليشيات وقال "نحن نستنكر بشدة قيام الحكومة بالتسليح الإنتقائي لبعض القبائل في دارفور ونحملها مسؤولية النتائج التي ترتبت من جراء ذلك", فى إشارة لقوات الجنجويد (صحيفة البيان 20 أغسطس 2003م), وقد أوردت صحيفة الحياة السودانية خبراً عن إستشهاد شرطي وإصابة 5 في إشتباك مسلح بهبيلا وأنَّ القوات المشتركة من الجيش والشرطة والفرسان ألقت القبض 9 من المتهمين (صحيفة الحياة الخرطومية 6 أكتوبر 2003م), ويعرف المواطنون هناك أن هؤلاء الفرسان هم القوات الراكبة, أو قوات الجنجويد, الذين يتحركون جنباً لجنب مع أفراد الشرطة والقوات المسلحة ومليشيات الدفاع الشعبى, كما أنَّ والى ولاية جنوب دارفور أشار إلى وجود فئات منفلتة تمارس النهب المسلح والسرقات وبعض الصراعات القبلية المحدودة ونبه إلى ضرورة جمع السلاح على مستوى قومي لما لها من تأثير على الأمن بالولاية (صحيفة الرأى العام 10 أكتوبر 2003م), لكنَّ والى شمال دارفور عاد بعد تمنع ليؤكد علاقة الحكومة بالجنجويد وذلك فى معرض رده على إستفسار صحفى إذ صرَّح قائلاً "إنَّ الجنجويد إستنفروا ضمن الإستنفار الذي شمل كل القبائل لمعالجة الوضع في دارفور لكن المشكلة الآن ظهور أشخاص يدعون أنهم مع الحكومة ويقومون بشن الهجمات" (صحيفة الأيام 9 أكتوبر 2003م), ولقد ذكر بعض الفارين من مدينة كتم أنَّ قائد القوة التى هاجمت المدينة قد صرَّح بأنَّهم يأخذون أوامرهم مباشرة بالخرطوم ولا يستمعون للسلطات المحلية!
بعد كل هذه الشواهد والحيثيات كيف يسمح النائب الأول لنفسه أن يحمل أهل دارفور وزر أفعال حكومته بهم ويرميهم بجرائرها بل ويأخذه العزة بالإثم وذلك بقوله (كفانا مزايدة وصياحا في الاعلام ورميا للاشباح وبحثا عن الشماعات, القضية ليس حلها في الخرطوم القضية حلها هناك في كل محلية وفي كل منتجع وفي كل مؤتمر قبيلة وفي كل مقر ومدينة), نعم يستطيع أهل دارفور أن يبيدوا هذه المليشيات المنفلتة ولكن هل يريد النائب الأول قيام حرب تصفية عرقية تذهب خلالها بقية من تبقى من أهل دارفور؟ أم أنَّ الأرواح الدارفورية تظل رخيصة ولا تسوى تحرك الحكومة المركزية من أجلها؟ إنها فى الحقيقة أمران لا ثالث لهما إما أن الحكومة تريد لأهل دارفور أن يقتتلوا فيما بينهم إلى النهاية وإما أنها فقدت السيطرة على القوات التى أنشأتها ورعتها وسلحتها إلى الحد الذى خرجت فيه عن طوعها بلا عودة, ولذلك تدس رأسها فى الرمال وترمى أهل دارفور بجرمها. أما إذا كان السيد نائب الرئيس يقصد الثوار حاملى السلاح فإنَّ هؤلاء قد حملوا السلاح لأسباب كثيرة من بينها الدفاع عن حرمة أراضيهم وعروضهم التى إنتهكتها القوات الوالية للحكومة وأرادت طردهم منها, لقد أشارت مذكرة من اللجنة السودانية لحماية المواطنين في دارفور بالمملكة المتحدة إلى الفريق الركن عمر حسن أحمد البشير، رئيس الجمهورية, بتاريخ 12 أغسطس 2003م, إلى "أنَّ أهل دارفور يعيشون فى أقسى صنوف التنكيل والتقتيل والتشريد ليس من عدو خارجى ولكن بالآله العسكريه وأجهزه الحكومه السودانيه والتى كان من المفترض ابتداء حمايتهم ولكنه أرهاب الدوله فى ابشع صوره لم يسلم من هذا الارهاب طفل ،او أمراة وشيخ ، قرى بأكملها تمحى من الوجود لا لجرم أرتكوبوه الا لأنهم طالبوا بالعدل والمساواه والمشاركه فى حكم وطنهم ... وأنَّ هذه الانتهاكات الآن أصبحت حديث وتوثيق العديد من المنظمات الدوليه التى تهتم بالقانون الدولى لحقوق الانسان والقانون الانسانى الدولى ... انها وصمة عار فى جبين السودان وصمة عار فى جبين وطن تدعى حكومته أنها تحكم باسم الاسلام ...أى اسلام هذا الذى يبرر ارتكاب هذه الفظائع؟ أنها تؤكد أن الاسلام برى من كل ذلك فهو دين السماحه والاخلاق وحقوق الانسان".
ويمضى النائب الأول فى حديثه لنواب دارفور بالمجلس والوطنى ليقف على إشكالية مفصلية فى العلاقة بين حكومته وأهل دارفور ألا وهو مأساة طريق الإنقاذ الغربى, فلنستمع لما يقول: (الحاصل الان الاليات موجودة لاكمال طريق الانقاذ الغربي الذي صار شماعة لكل مزايدة سياسية ولكنه يتوقف في كثير من قطاعاته بسبب انفراط الامن, من المسؤول عن هذا؟ من المسؤول عن هذا؟ منو عايز خير دارفور! ومنوعايز يعطل دارفور ويؤخرها! الاجابة عندكم وبينكم! الاجابة عندكم وبينكم؟). حسناً, ونحن بدورنا نتجاوز مصداقية حديثه ولنسأل سيادته بعض الأسئلة الواجبة:
(1) هل خرج طريق الإنقاذ الغربى من الأبيض إبتداءً وواصا مسيرته غرباً؟
(2) هل وصل الطريق إلى النهود وواصل زحفه إلى داخل الحدود الشرقية لدارفور؟
(3) هل هناك وجود "للمتمردين" بشرق دارفور هددوا مواصلة العمل فى الطريق؟
(4) أين توجد تلك الآليات المرصودة لبناء الطريق؟
(5) من الذى يريد بناء الطريق ودفع من أجلها دم قلبه ومن الذى قام بتبديد ذلك؟
الأجابة على هذه الأسئلة تؤكد أو تشكك حديث النائب الأول, وللحقيقة فإنَّ مؤامرة طريق الإنقاذ الغربى ظلت تمثل شوكة مغروسة فى خاصرة الإنقاذ كلما بدر الحديث عن دارفور أو عن النهب المنظم المسنود بآلية الدولة, لكن السؤال الذى يتبادر إلى الذهن هو لماذا ظلَّ أهل الإنقاذ ساكتين عن هذه الفضيحة المجلجلة؟ فالشيئ الواضح هو أنهم بدلاً من يسموا الأمور بمسمياتها ويشيروا إليها صراحة ظللوا دوماً يتداورون حولها ومع كل دوران فإنهم لا يفعلون شيئاً سوى زيادة الشكوك فى أفعالهم, لقد تساءل النائب الأول فى مبتدأ حديثه لنواب دارفور وعن (هل جربتم على الإنقاذ كذباً؟ هل جربتم عليها نكوصاً في العهد؟) ويقينى أنَّ أى شخص من دارفور, أو حتى من عامة السودانيين, قد لا يتردد فى الشك من أنَّ النائب الأول إنما كان يتساءل تحت فعل إسقاطات طريق الإنقاذ الغربى, إذاً والأمر كذلك فلماذا لا يفتح أهل الإنقاذ ملفات هذه المشكلة كلها ويضعوها أمام الشعب السودانى بدلاً عن اللولوة والدوران؟ هل هناك سر لا تريد الحكومة كشفه؟ هل أنفقت تلك المبالغ, وهى فى جملتها أكثر من 126 مليار جنيه, فى مجال آخر غير مشروع الطريق ولا يريدون كشفه؟ وإلى متى ستظل الحكومة ساكتة حتى ولو تم بناء ذلك الطريق من مصادر مالية أخرى؟ المهم ستتكشف الحقيقة يوماً ما بالرغم من أنَّ جناحى الإنقاذ, الوطنى والشعبى, قد آثرا السكوت وإلتزما الصمت مما يبرر شكوكنا من أنَّ الأمر فيه "إنَ" كبيرة, وكلاهما مشتركان فيما حدث.
ثمَّ يستمر النائب الأول فى حديثه ويتناول قضية التعليم والنقص فى المدرس والمقعد والكتاب ومرتبات المعلمين ليصعق مستمعيه بقول عجب: (قلنا ان دارفور قد تأخر ركبها في التعليم وهذا امر يسوء, نريد لدارفور ان تتقدم وان يكون هنالك اصلاح للتعليم, وطلبنا من الولايات ان تعد مشروعاتها وان تقترح معالجاتها علي الرغم من اننا في نظام الحكم هذه المسؤولية محلية, اصلا الحكومة المركزية بالقانون والدستور ما عندها مسؤولية في المدارس الابتدائية يكون فيها داخلية او لا يكون, الكتاب عنده لانها تسألهم عن طريق توفير الدعم والولايات هي التي تخطط), (انا اقول لكم الحديث العديل ما نتولي المسؤولية نيابة عنكم ولكن سنساهم معكم في شيل المسؤولية حتي تتحسن الاوضاع هناك, عودوا لتسألوا مؤسساتكم ولتراجعوا حساباتكم ما هو دور الولاية لتنهض بالتعليم وفق امكانياتها المحلية), (اذا في مدرس صرف والوالي ما صرف ما بشيل بندقية ضد الحكومة الاتحادية في الخرطوم والحكومة الاتحادية قد افرغت ذمتها, دفعت المال ووضعت السياسة والتوجيه, انتم القيمون علي ان تأخذوا حقكم, المعلمات والمعلمون خذوا حقكم, انا احرض المعلمين ان يأخذوا حقوقهم قبل مرتبات المجلس التشريعي قبل مرتب الوالي والوزراء والمعتمدين, نفذوها انتم لتسير الامور بصورة جيدة, واذا بنقدر نعملها من الخرطوم, ونحن بنقدر نسويها, لكن الخرطوم لانها ما متجاوبة مع دارفور لانها مهمشة دارفور, وزير التعليم المركزي من دارفور اذهبوا له حتي يقف علي الترتيبات مع الولايات هناك ويضمن المعلمين يأخذوا مرتباهم), (نحن فكينا الاحتكار في السياسة وفي الكورة والاقتصاد وفي كل حاجة, ما في طباعة الكتاب المدرسي, برضو كل ولاية تطبع بطريقتها, بل الحكومة الاتحادية تضمن المطبعة عندها قدرة فنية انها لا تضع كاس في محل زالنجي ولا تضع نمولي في مكان حلفا في خريطة الجغرافيا نتأكد انها مطبعة تستطيع تطبع الكتب مثل ما وضعتها الحكومة في المناهج, بعد كل ذلك كل ولاية تطبع, اذا تأخر الكتاب المدرسي فهي مسؤوليتكم ومسؤولية مؤسساتكم السياسية والتنفيذية, انا لا افهم ابدا ان في مرحلة التعليم الاساسي تغلق المدارس الحكومية ويدفع الاباء والامهات مبالغ طائلة ليدرس ابنائهم في مرحلة الاساس في المدارس الخاصة, من المسؤول عن هذا من السياسة الاتحادية وهي مسؤولية نقاباتكم وتنظيماتكم السياسية ومؤسساتكم التشريعية, هذا الخطأ وهذا الخلل لا بد ان يصحح ليس برضانا ولا بتوجيه منا ولا بسياسة من الخرطوم, لا بد ان تصحح هذه المسألة, هناك الناس يتشاكوا ويجلسوا ليعرفوا الذي عنده مصلحة في هذا وسأخذوا علي يده حتي اولادكم يدرسوا في مدارس الحكومة مثل ما كان في السابق وما تتحملوا انتم الا المسؤولية الضرورية الواجبة التي يتحملها كل اب وام في السودان بشيء من الدعم او المساهمة هنا وهناك), ملخص هذا الحديث هو أنَّ:
(1) مسئولية التعليم فى مرحلة الأساس هى مسئولية الولاية وليس للمركز دخل فيها, حيث ذكر  "اصلا الحكومة المركزية بالقانون والدستور ما عندها مسؤولية في المدارس الابتدائية".
(2) المعلمون إذا لم يصرفوا مرتباتهم ينبغى عليهم أخذها من مسئولى الولاية, إذ قال "انا احرض المعلمين ان يأخذوا حقوقهم قبل مرتبات المجلس التشريعي قبل مرتب الوالي والوزراء والمعتمدين", لكنه لم يذكر كيف سيتمكن المعلمون من فعل ذلك! هل يضربوا عن العمل؟ لقد قرر معلمو مرحلتى الأساس والثانوى بمحلية الفاشرالدخول فى إضراب فى بداية هذا الشهر لعدم صرف مرتبات ومتأخرات منذ العام 1998م, لكن حكومة ولاية شمال دارفورأعتبرت الإضراب غير مشروع مضمونا وشكلاً, وهدد والى الولاية في بيان أصدره باتخاذ اجراءات لا تحمد عقباها في حالة استمرار الاضراب (صحيفة الصحافة 8 أكتوبر 2003م), إذاً ماذا يفعل المعلمون المساكين بين مطرقة الولاية وسندان المركز؟
(3) وزير التعليم القومى من دارفور! ولأنه من دارفور, فيجب على معلمى دارفور اللجوء إليه إذا فشلت محليات دارفور فى تدبيرمرتباتهم, هل هذا أسلوب مؤسسى للعمل؟
(4) الحكومة الإتحادية غير ملزمة بتوفير الكتاب المدرسى, لكن لديها مطبعة جاهزة لطباعة الكتب المدرسية, وعلى كل ولاية أن تحدد العدد الذى تريدها من الكتب لمدارسها, وتدفع تكاليف طباعتها من مصادرها المالية حيث يقول "نحن فكينا الاحتكار في السياسة وفي الكورة والاقتصاد وفي كل حاجة, ما في طباعة الكتاب المدرسي, برضو كل ولاية تطبع بطريقتها", أما إذا فشلت الولاية فى تدبير تلك المبالغ فعلى تلاميذها السلام وقد لا يتوفر لهم كتب والحكومة المركزية لا تتحمل ذلك, إذ يقول "اذا تأخر الكتاب المدرسي فهي مسؤوليتكم ومسؤولية مؤسساتكم السياسية والتنفيذية"!
(5) سيادته غير مقتنع بالأسباب التى تؤدى إلى إغلاق المدارس الحكومية طالما أنَّ الحكومة قد ملَّكت المواطنين زمام أمرهم ويعتقد أنَّ الحال أحسن حال, ولذلك يتساءل "انا لا افهم ابدا ان في مرحلة التعليم الاساسي تغلق المدارس الحكومية".
ملخَّص هذا المقطع من الحديث وتعليقاتنا عليه هو أنَّ الحكومة الإتحادية قد رفعت يدها عن التعليم تماماَ وأطلقتها بعد أن "أدتها سوط" وقالت لها سيرى وعين الله ترعاكى! هل هكذا تبنى الأمم؟ وهل يعلم سيادة النائب الأول أن التعليم الإبتدائى قد صار حقاً عالمياً وبنداً ثابتاً من ميثاق حقوق الإنسان العالمية فيما يختص بالطفل والذى وقعت عليه حكومة السودان ممثلة برئيس الجمهورية الفريق عمر حسن أحمد البشير فى قمة عالمية بقاعة الأمم المتحدة بنيويورك قبل عدة سنوات؟ إذاً لا غرابة إن إنهار التعليم فى ولايات دارفور وأن تتأخر مدارسها الثانوية فى إمتحانات الشهادة السودانية بعد إن كان خريجوها ملء العين والبصر فى كليات جامعة الخرطوم, وأن تبلغ نسبة الفاقد التربوي عشرون بالمائة في المدن و ستون بالمائة في الأرياف التى تأوي تسعين بالمائة من السكان.
أنتهى حديث النائب الأول لنواب دارفور بالمجلس الوطنى ولا أدرى كيف كان شعورهم, هل وقفوا يصفقون له ويهللون ويكبرون, كما يفعل أهل الإنقاذ عادة مع زعمائهم؟ أم هل كان هنالك من لا يخاف فى الحق لومة لائم فوقف وقوَّم حديثه؟ وعلى العموم فنحن نقول أن حديث النائب الأول غير توافقى البتة وفيه نبرة تنضح بالغطرسة والإزدراء, وتتفيه لأرواح الموتى بسبب عدم مبالاة الحكومة لما يحدث من قتل جائر بالإقليم, إضافة إلى عدم إحترام مستمعيه, لقد بدا يخاطبهم وكأنهم تلاميذ لا كممثلين رسميين لأكثر من 20% من جملة سكان السودان. إنَّ النائب الأول قد أكَّد إستمرار نظرته الدونية لأهل دارفور فقد ظلَّ ينعت ثوارهم باللصوص والنهابين وقطاع الطرق وأنَّ الحكومة سوف لن تستمع أو تتحاور مع اللصوص والنهابين وقطاع الطرق, ولا أدرى لماذ أمسك لسانه عنهم فى ذلك اللقاء.
بيان مستشار الرئيس للشؤون الأمنية بالمجلس الوطني حول إتفاقية أبَّشي:
أدلى اللواء طبيب الطيب إبراهيم محمد خير المستشار الأمنى لرئيس الجمهورية ببيان فى المجلس الوطني فى يوم الأثنين 13/10/2003م حول إتفاقية أبَّشي بين حكومة السودان وحركة تحرير السودان, ولقد سبق أن تناولنا أمر تلك الإتفاقية فى مقالتين سابقتين الأولى بعنوان "ثورة دارفور ومآلات المستقبل" والثانية بعنوان "ثورة دارفور وخارطة الطريق" نشرتهما مشكورة موقع سودانايل الفتية على شبكة الإنترنت, ولذلك لا نود تكرار الحديث فى ذلك إلاَّ بقدر ما يهم فى توضيح بعض النقاط التى وردت فى بيان المستشار الأمنى, ونضمنها فيما يلى:
[1] بدا سيادة المستشار مهموماً لإعتبار ما تم فى إبَّشى من محادثاتعلى إنها بمثابة "إتفاقية نهائية للسلام" وليست "إتفاقية للهدنة ووقف إطلاق النار" فقط والفرق واضح بين معنى العبارتين, فقد ذكر أنَّ (هنالك خطأ في فهم الاتفاقية البعض يتحدث عنها بانها اتفاقية لوقف اطلاق النار وواضح ان مجرياتها انها اتفاقية سلام متكاملة وابتداء وانتهاء ابتداء من وقف اطلاق النار الي تسليم السلاح الي تطبيع الحياة نهائيا في دارفور), وذلك غير صحيح, فحتى قوله هنا والبنود التى أتفق عليها هناك كلها تهدف لشيئ واحد هو وقف إطلاق النار مثلما تم آنفاً مع الحركة الشعبية لتحرير السودان من وقف لإطلاق النار قبل شهورعديدة من بدء مفاوضات السلام فى ميشاكوس, إضافة لذلك لدينا عدد من الملاحظات حول هذه النقطة:
أ- هل يريد سيادة المستشار تلبيس قادة الحركة بشيئ صنعه فى خياله وتمريره عليهم دون يتفقوا عليه من الأساس؟
ب- إذا وافقنا المستشار فى إستنتاجاته تلك فأين هى المطالب التى رفعت الحركة السلاح من أجلها؟ وهل تم التفاوض عليها والإتفاق على حلول لها؟
ت- هل الإتفاقية, أياً كان نوعها, مع حركة تحرير السودان تعنى إستتباب الأمن والسلام فى دارفور؟ فالآن هناك فصيلان آخران خارج تلك الإتفاقية فكيف يمكن أن نعتبر ما حدث سلاماً؟
ث- هل يحاول المستشار الأمنى بإصراره على آرائه إستغفال أهل دارفور وإعتبارهم كسذج وعديمى الفهم بحيث يمكن أن ينطلى عليهم أى شيئ وبطق الحنك؟
المهم فى الأمر أن ما تم الإتفاق عليه يظل فقط مهلة يتوقف خلالها إطلاق النار بين الجانبين مهمتها تهدئة الخواطر وتنفيذ ترتيبات أخرى إستعداداً لبدء التفاوض لتحقيق السلام.

[2] إصرار المستشار الأمنى على عدم وجود شروط سياسية للحركة المسلحة, فقد قال بأنَّ فى جملة ما أتفق عليه (مسائل التنمية المتوازنة وذلك دون شروط سياسية تفرض في داخل الاتفاقات), وأن من (الاشياء المميزة للاتفاقية انه ليست بها مطالب سياسية ، عندما تتحدث عن الملاحق التي سينظر فيها بعد 45 يوما الاولي هي فيها حديث عن ازالة اثار الحرب وحديث عن بعض المسائل الاجتماعية مسالة صلح مع بعض القبائل التي كانت في بداية الحدث فجرت الموقف ليتحدثوا فيها عن افاق التنمية ومشاريعها في المنطقة ويتحدثون عن جمع السلاح وغيرها من الاشياء من ملاحق التنموية وامنية لهذا الاتفاقية تتميز بانه ليس فيها مطالب تعجيزية سياسية).
إنَّ السؤال البديهى الذى يطرح نفسه هنا هو أنَّ حركة تحرير السودان هى حركة سياسية كاملة إبتداءً من إسمها ولها إعلان سياسى واضح تطرح فيه رؤية سياسية قومية محددة, فكيف يتسنى لها أن تدخل فى مفاوضات مع الحكومة دون طرح أى قضايا سياسية؟ لقد ورد فى صحف اليوم أخباراً مفاده أنَّ الحركة قد عقدت مؤتمراً تشاورياً قى بلدة قارسيلا بغرب دارفور لإعداد ملفات التفاوض وأطلقت مبادرة للحوار مع القوى السياسية الأخرى للوصول إلى اتفاق حد أدنى حول القضايا المصيرية (صحيفة الصحافة 17 أكتوبر 2003م), وأن ذلك المؤتمر قد تبنى التفاوض مع الحكومة كوسيلة استراتيجية لحل أزمة الحكم في السودان, وأنَّ الحركة أطلقت مبادرة للحوار مع القوة السياسية السودانية الأخرى «للوصول الى حدٍ ادنى حول القضايا المصيرية التي تهم الشعب السوداني مثل الديمقراطية، والشفافية، والعدالة بصورة عامة، وأزمة الحكم» (صحيفة الشرق الأوسط 17 أكتوبر 2003م), إذاً كيف لا تكون للحركة أهداف سياسية, وهل ستتفاوض الحكومة معها على تلك القضايا أم سترفضها؟
[3] أيضاً ركزَّ المستشار الأمنى على أنَّ قادة الحركة (لا يودون الجلوس مع السياسيين في الخارج), وأنَّ (القادة في الميدان بانهم لايودون الجلوس مع السياسيين الذين يتحدثون باسمهم في الخارج), وأنَّه قد (تبين من القادة الميدانيين أن ليس للمعارضة في الخارج تأثير كبير على النزاعات القائمة في الميدان عدا مجموعة العدل والمساواة التي يرأسها د. خليل ابراهيم).
صحيح أنَّ حركة تحرير السودان قد لا توجد لديها ممثلين وقيادة خارج السودان وذلك واضح من بياناتهم التى تصدر دائماً من مناطق العمليات داحل دارفور, إذ هم يعتمدون أساساً على الإتصالات الحديثة وهواتف الأقمار الصناعية, ولذلك فليس بمستغرب أن ينفوا أى علاقة لهم بمجموعات الخارج وتبعاً عليه فإته لا توجد ميزة معينة لهذه النقطة بالدرجة التى ركَّزعليها سيادة المستشار فى معرض حديثه.
[4] مهما فعلت الحكومة مع حركة تحرير السودان, وحتى إذا توصلت معها إلى إتفاقية سلام, فإنَّ السلام الكامل سوف لن يتحقق طالما ظلت الفصائل الأخرى خارج الإتفاقية, ولقد أدرك سيادة المستشار ذلك حينما ذكر أنَّ (المهدد الذي لم يوقع علي الاتفاقية هو فصيل العدل والمساواة), وأنَّ (مجموعات شريف حرير وخليل ابراهيم وغيرهم تبين من خلال النقاش أن لهم أهداف سياسية وهم يرفعون شعارات مثل التنمية والتهميش والعدالة والمساواة والحرية وغيرها ، ولكن لهم أجندتهم السياسية الخاصة). لذلك يجب أن ينحصر جهد الحكومة الآن لجلب هذه المجموعات لطاولة التفاوض. والتفاوض مع كل الحركات المسلحة كمجموعة واحدة, ولا يتأتى ذلك ما لم تتوصل الحكومة لإتفاقيات هدنة معهم أولاًّ على غرار ما فعلت مع حركة تحرير السودان لأنَّه بدون ذلك سيظل ما قد يتوصل إليه منقوصاً وقد لا يتناول جذور قضية دارفور مما يبقى المشكلة معلقة كما هى.
[5] أشار سيادة المستشار الأمنى أنَّ (ما تم من اتفاق اوقف المعارك الدامية, ففي مرحلة من المراحل في ظرف اسبوعين وصل فيها عدد القتلي من الطرفين قرابة الالف مقاتل في منطقة شمال دارفور وحدها) وهذا سبب كافى لأن تضطلع الحكومة بدورها فى صيانة النفس البشرية التى كرمها الله, فكيف بنا نحن البشر.

 

آراء