هل ستوقع الحركة الشعبية وحلفاؤها على خارطة الطريق وهم مجبرون! .. بقلم/ آدم جمال أحمد – سيدنى – استراليا

 


 

 


elkusan67@yahoo.com

رفضت الحركة الشعبية وحلفاؤها من قوى المعارضة التوقيع على (خارطة الطريق) التى إقترحتها الوساطة الأفريقية ، لتحقيق سلام دائم فى السودان ، وتحفظت عليها ، فضلاً عن إيقاف الحرب فى إقليم دارفور وولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق ، بعدما وقّعت عليها الحكومة منفردة ، فى خطوة إستباقية غير متوقعة أربكت كل الحسابات ، مما جعل قوى نداء السودان وأتباعها والمجتمع الدولى تبادر إلى إتهام الوساطة بالإنحياز للحكومة وتبنّى مقترحاتها فى الخارطة فى الإجتماع الإستراتيجى بالعاصمة الإثيوبية أديس ابابا ، دعت إليه الوساطة الأفريقية برئاسة ثامبو أمبيكى ، ضم الحكومة السودانية والحركة الشعبية - قطاع الشمال وحركتى العدل والمساواة وتحرير السودان بقيادة مساعد رئيس الجمهورية السابق منى أركو مناوى ، فضلاً عن حزب الأمة المعارض برئاسة الصادق المهدى ، لوضع نقاط تُمكّن تلك الأطراف من المشاركة فى الحوار الوطنى الذى دعا إليه الرئيس عمر البشير قبل عامين وقاطعته تلك القوى ، إلى جانب قوى معارضة أخرى ، بهدف التوصل لإتفاق ينهى الحرب فى مناطق النزاع.
وإستمرت تلك الإجتماعات لمدة ثلاثة أيام متتالية فى العاصمة الإثيوبية ، إتسمت بتباعد المواقف بين الفريقين ، ورفع السدال بتوقيع الحكومة السودانية وآلية الوساطة الأفريقية على خارطة الطريق ، بينما فشلت قوى المعارضة من خلال إجتماعاتها فى الإتفاق على رؤية موحّدة ، ورفضت التوقيع ومحاولات الوساطة الأفريقية والحكومة بإعتبار ذلك اللقاء بديلاً للمؤتمر التحضيرى الذى أقره مجلسى السلم الأفريقى والأمن الدولى ، ليضم كافة القوى السودانية بلا إستثناء فى مقر الاتحاد الأفريقى فى أديس أبابا للإتفاق على شكل وهيكل وأجندة الحوار الوطنى قبل إنطلاقه فى الداخل ، وهى نقطة عجّلت بإنهيار المفاوضات ، على الرغم من توقيع الحكومة على خارطة أمبيكى التى طرحها على الأطراف ككتلة واحدة لا تقبل التعديل ، فالمعارضة طلبت من الوساطة مهلة أسبوع لدراسة الخارطة وإجراء مشاورات حولها قبل التوقيع عليها ، إلا أن الأخيرة آثرت المضى قدماً بقبول توقيع الحكومة السودانية على الخارطة بشكل منفرد ، ويرى مراقبون أن خطوة الحكومة السودانية بالتوقيع المنفرد على الخارطة تعكس محاولتها تسجيل أهداف بشباك المعارضة وإظهارها بمظهر الرافض للحلول السلمية ، مما يؤكد أن الحكومة حققت بذلك مكسباً سياسياً ، ولا سيما أن الخطوة من شأنها أن تزيد من الضغوط الدولية والإقليمية على القوى المعارضة وتحديداً الحركات المسلحة ، لحملها على التوقيع على الخارطة وهم مجبرون!! ، وهذا بالفعل ما حدث ، لأن المجتمع الدولى لا يريد أن يدخل السودان فى دوامة عنف جديدة ، وينتظر من الخرطوم القيام بأدوار فى المنطقة بمحاربة الإرهاب ، ومن ثم إنتظار رأى الطرف الآخر ، وبحسب مشاركتنا فى المفاوضات ، فقد قدّمت المعارضة ورقة لأمبيكى تحمل ملاحظاتها حول الخارطة وتحدد رؤيتها من القضايا مجتمعة ، بالرغم أن المبعوثين الغربيين الذين زاروا المقر فى أديس أبابا دخلوا فى إجتماعات مع المعارضة فى محاولة للضغط عليها ، وكذلك وفد قيادات جبال النوبة بدول المهجر الذى شارك فى الإجتماع الإستراتيجى بأديس أبابا وساهم فى وضع خارطة الطريق بنسبة كبيرة من خلال جلوسهم مع الوساطة ، وأوضح لثامبو أمبيكى وأبوبكر عبدالسلام ، بأن ما تطالب به الحركة الشعبية بفصل المسار الإنسانى عن الأجندة السياسية وإعطاءه أولوية قصوى كمدخل لحل الأزمة ، يعتبر أمر خاطئ ، لأنه يعقد الأزمة وليس مدخلاً للحل ، لأنه ليس أولوية .. بل الأولوية هى وقف الحرب وإطلاق النار ، لأن جبال النوبة على مدى التاريخ لم تعتمد على الإغاثات ، وتم إستثناؤها عن شريان الحياة من قبل ، ودخل الوفد فى إجتماعات عديدة مع قوى المعارضة المختلفة والمبعوثين الدوليين والمراقبين ، وناقش معهم أهم التحفظات ، التى تركّزت حول الأولوية فى وقف الحرب وليست المسائل الإنسانية الذى أصبح يستخدم كقميص (عامر) ، وفى عدم الإعتراف بالحوار الوطنى القائم حالياً فى الخرطوم والذى قاطعته معظم فصائل المعارضة الرئيسية ، بإعتباره حوار جزئى ، والتمسّك بالمؤتمر التحضيرى للإتفاق على القضايا الأساسية فى ما يتصل بالحوار ، فضلاً عن تحفظاتهم حول إصرار الورقة على أن تُبنى الإتفاقات بشأن النيل الأزرق وجنوب كردفان وإقليم دارفور وفق الإتفاقات السابقة ، في إشارة إلى إتفاق الدوحة لسلام دارفور وبروتوكول منطقتى النيل الأزرق وجنوب كردفان الوارد فى إتفاقية السلام الشامل التى وقّعتها الخرطوم مع (الحركة الشعبية) فى العام 2005 وكانت نتيجتها إنفصال الجنوب ، وهو أمر رفضته الحركات بشدة ، وخاصة أن المجتمع الدولى وخصوصاً الغربى ، ينتظر من الخرطوم القيام بأدوار مهمة فى ما يتصل بمحاربة الإرهاب والتطرف ، فضلاً عن الحد من عملية الإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية إلى أوروبا ، ما يزيد من مصالح الغرب مع الحكومة السودانية ويجعله يغضّ الطرف أحياناً عما ترتكبه ، وفى ظل كل هذه المتغيرات الدولية والإقليمية نتوقع أن يعترف المجتمع الدولى وعلى رأسها أمريكا بالحوار القائم فى الخرطوم ، وممارسة الضغط على الرافضين والممانعين لخارطة الطريق ، الحركة الشعبية - قطاع الشمال وبقية الحركات المسلحة وقوى المعارضة ، وإرغَامهم على التوقيع آجلاً أم عاجلاً ، وإلا فإنها ستضع نفسها فى مواجهة مع المجتمع الدولى والإقليمى.
بالرغم أن أمبيكى قد رحّب خلال مؤتمره الصحفى ، الذى عقده بعد التوقيع الحكومى على الخارطة بشكل منفرد ، ورفض المعارضة لها ، وإعتبرها إلتزاماً حكومياً بتسريع المفاوضات الخاصة بوقف إطلاق النار فى إقليم دارفور ومنطقتى جنوب كردفان والنيل الأزرق ، وأعلن أنه سيرفع تقريراً للاتحاد الأفريقى ومجلس الأمن بما تم ، لكنه رجّح أن تُوقّع المعارضة على الخارطة بعد إنتهاء مهلة الأسبوع التى طلبتها للتشاور ، مؤكداً أن الخارطة ستفتح الباب لإنهاء الحرب والإقتتال فى البلاد ، وشدد على أنه لا يمكن تأخير السلام والحوار وإطالة عمر معاناة المواطنين أكثر.
وما نود أن نؤكده فى مقالنا هذا بأن خارطة الطريق الأفريقية ، والتى لا يعلم تفاصيل بنودها الكثير من أتباع الحركة الشعبية وبقية أطراف قوى المعارضة أو ما يسمى بقوى (نداء السودان) ، خاطبت القضايا الأساسية وهى إيقاف الحرب ، والجلوس للنظر فى مستقبل السودان عبر الحوار الوطنى ، وأيضاً طالبت الخارطة بوقف فورى للحرب والأعمال العدائية ووقف دائم لإطلاق النار ، على أن يتزامن ذلك مع إتفاق يؤدى لإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب بشكل عاجل ، إضافة إلى تشكيل لجان مشتركة لضمان تنفيذ إتفاق وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية والإجراءات السياسية من أجل الوصول لسلام دائم ، على أن تُناقَش القضايا السياسية ذات الطبيعة القومية فى سياق الحوار الوطنى ، وشددت كذلك الخارطة على ضرورة الإعتراف بالحوار القائم فى الخرطوم ، وإلحاق الممانعين بالحوار ، وفى الوقت نفسه أقرت أنه ليس شاملاً بشكل كافٍ ، وإقترحت لقاءاً يجمع الأطراف المشاركة من قوى المعارضة ولجنة (سبعة + سبعة) الخاصة بالحوار الوطنى فى أديس أبابا ، لتعرض الأخيرة ما توصلت له من توصيات ، لتأخذ بملاحظات تلك القوى ، وطالبت أيضاً بإستئناف فورى للمفاوضات حول منطقتى جنوب كردفان والنيل الأزرق وإقليم دارفور ، إضافة إن الخارطة إعترفت بالحوار القائم فى الخرطوم ، وشددت على عدم وجود حوار بديل ، رغم أن الحركات المعارضة طالبت بحوار ثانى ، بإعتبار أن الحوار القائم حالياً لا قيمة له لغياب الفصائل الرئيسية عنه ، وهو حوار شاركت فيه الحكومة وحلفاؤها فضلاً عن أحزاب معارضة وحركات ليست ذات وزن بإستثناء (المؤتمر الشعبى) ، ولكن ما يدهش حقاً أن وفد الحكومة وقّع على الخارطة دون شروط على الرغم من تحفظاته عليها ، لأنه كان يرفض وقف الحرب أو توصيل المساعدات الإنسانية إلا بشروط ، ورغم كل ذلك دخلت الحكومة مع الحركة الشعبية فى قتال وحرب فى جنوب كردفان راح ضحيتها الكثير ودفعها فاتورتها المواطنون والمنطقة ، مما يؤكد عدم حرص الحركة الشعبية وتحمل مسؤوليتها على إنهاء الحرب ، وكذلك الحكومة فى المحافظة على أمن وسلامة المواطن ، ولا سيما أن الخارطة ناولت القضايا الأساسية التى تمهّد للإنطلاق نحو الإتفاق بصورة سلمية وموضوعية وعملية ومهدت للحوار ، إلا ان قوى المعارضة وخاصة الحركة الشعبية بتعنتها ورفضها للتوقيع بحجج واهية وغير منطقية ، وفى خطوة برمتها عمّقت الأزمة فى جنوب كردفان (جبال النوبة) ، قادت الى تفجير الوضع ، كما أنها أضاعت آخر فرص التفاوض والسلام الذى ينشده أهل جنوب كردفان ، وكان بإمكانها التوقيع إذا كانت حريصه على الحفاظ على أرواح ابناء النوبة وجنوب كردفان وتجنيب المنطقة الحرب وتفويت الفرصة على الحكومة ، ولكن للأسف لا الحركة ولا قوى المعارضة حريصون على إنسان جنوب كردفان أو مواردها ، بقدر ما يهمها مصالحها فى الوصول الى كراسى السلطة ، وهذا ما لمسناه من خلال مشاركتنا فى الإجتماع الإستراتيجى كوفد لقيادات جبال النوبة وجلوسنا مع كل الأطراف ، لأن إستباق الحكومة بالتوقيع على الخارطة ، خطوة وضعت الحركة الشعبية وحلفاؤها من قوى المعارضة فى خانة تجعلها تفعل أى شيء لتؤكد على وجودها ، وما يُنذر بتفجّر الأوضاع والعنف ، خصوصاً بعد تواتر معلومات حول إتهامها من قِبل المبعوثين الغربيين بالضعف ، فأن ذلك سوف يُنذر بمواجهة عسكرية وسياسية عنيفة ، فضلاً عن أنها ستطلق يد الحكومة لتطيح بمعارضيها بشكل أكبر ، فلذلك المعارضة أخطأت كثيراً بعدم التوقيع على خارطة الطريق ، وفقدت بذلك الكثير من مصداقيتها أمام جماهيرها ، لأنها سوف تجبر على التوقيع دون أى تعديل فى خارطة الطريق ، رغم كل ما أطلقته من ضجيج ، فى الأونة الأخيرة وما خرجت به فى مؤتمر (قوى نداء السودان) فى باريس ، ما هو إلا زوبعة فى فنجان لإيجاد مبررات واهية ، ولكن فى نهاية الأمر سوف توقع الحركة الشعبية وحلفاؤها على خارطة الطريق وهم مجبرون (كأنك يا زيد ما غزيت) بعد ممارسة ضغوط عليها من أمريكا والدول الغربية ، وإلا سنسمع بقرارات تصنيف الحركات المسلحة كإرهابيين ، خاصة بعد لعبة وإستمرار فشل هذه الأطراف فى حل الأزمة ، وإستخدام قضية الوطن فى الصراع على السلطة من دون الأخذ بعين الإعتبار وضع المواطن وما يدفعه من ثمن جراء الحرب الباهظة الثمن ، وهى لا تتحمل المسؤولية فى قراراتها الخاطئة فى إستمرار المفاوضات العبثية كى تستمر مهاهم ، وهم يبحثون عن داعم لمواقفهم فى الخارج ، وفقدهم الى مأوى أو ملجأ لهم فى أدغال جنوب السودان فى ظل الأحداث الجارية ، وهم يتواطؤن لتسليم مصير السودان لقوى خارجية لتلعب فيه كما تشاء ، وهى ما زالت تتمسك بعقد مؤتمر تحضيرى وفقاً لقرارات مجلسى السلم الأفريقى والأمن الدولى ، يجمع القوى السودانية كافة بلا إستثناء ، للإتفاق على إجراءات لبدء حوار متكافئ مع الحكومة ، وهو ما ترفضه الحكومة بشكل قاطع.
ولنا عودة .......
آدم جمال أحمد – سيدنى – أستراليا - 23 يوليو 2016 م

 

 

آراء