الثورة السودانية: التسلط، التقاعس وما بينهما

 


 

 

فيصل بسمة

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

و لقد أفلحت الجماعة المتأسلمة (الكيزان) و عبر منابر و منافذ و عوامل و وسآئل عديدة في إعاقة مسيرة الثورة السودانية مؤقتاً ، و اجتهدت كثيراً في تعطيل ثم إيقاف عمليات المحاسبة و إزالة التمكين و تفكيك نظام الثلاثين (٣٠) من يونيو ١٩٨٩ ميلادية ، و منعاً للتغيير و حفاظاً على المصالح و مواصلةً للفساد ساقت الجماعة (الكيزان) ، عبر القوات المسلحة و الأجهزة الأمنية و مليشيات الجَنجَوِيد ، البلاد إلى أتون حربٍ ممتدة و منتشرة و فوضى أضحت تهدد بقآء/وجود الدولة السودانية...
و المأكد هو أن تسلط العسكر المُتَمَذهِبِين (المؤدلجين) و إصرارهم على التمسك/الإنفراد بالحكم يمثل لب أزمة الحكم المزمنة في بلاد السودان ، و قد بدأ التسلط منذ إعلان الإستقلال عن المستعمر (المحتل) البريطاني و استمر إلى يومنا هذا ، و جوهر المشكلة يكمن في إعتقاد الدَّيَاشِي (الجياشي/العسكري) أنه الأفضل و الأجدر و الأحق بالحكم بحسبان أنه ينتمي إلى ”جيش الهنا“ و ”الحارس مالنا و دمنا“ و الوصي على البلاد و العباد ، و عقيدته/مرجعيته في ذلك:
لو رَجَّعُوا الملكية...
دَيَّاشِي يوزن مية...
و مما زاد الطين بلة أن المؤسسات العسكرية و الأمنية السودانية قد تمت مذهبتها (أدلجتها) على الطريقة الإسلامية الكيزانية المتطرفة من بعد الإنقلاب الكيزاني في الثلاثين (٣٠) من يونيو ١٩٨٩ ميلادية ، و كما بقية مؤسسات الدولة إبان عقود حكم الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) الأربعة فقد أصاب تلك المؤسسات هوس التمكين و التطرف الديني و الفساد و الدمار و الخراب ، و أصبحت في حقيقة الأمر منظمات و مليشيات خآصة خاضعة للحركة الإسلامية (الكيزان) تأتمر بأمرها و تلتزم بتوجيهاتها...
حاشية:
و ما تسألوني أنا بَجِيب الكلام ده من وِين ، و أمشوا أرجعوا تسجيلات الدكتور حسن عبدالله الترابي في شهادته على العصر على قناة الجزيرة و أحاديث الأستاذ علي عثمان محمد طه و المخلوع عمر البشير و غيرهم من ”الإسلاميين“ المتوفرة في الوسآئط الإجتماعية أو شاهدوا مقابلة الطاهر حسن التوم في قناة طيبة مع السفيرة سنآء حمد العوض رئيس لجنة التحقيق التي تم تشكيلها من داخل سجن كوبر إبان الفترة الإنتقالية من قبل الأمين العام للحركة الإسلامية (الكيزان) ، المعتقل آنذاك ، الزبير أحمد الحسن...
و لقد أبانت الفترة الإنتقالية و الحرب الدآئرة الآن أن القوات المسلحة و الأجهزة الأمنية تعاني من تشوهات عديدة و معقدة في: التركيب و الترتيب و العقيدة القتالية و الممارسات و الأهداف ، و أنها جميعها في حوجة مآسة إلى إعادة الصياغة/التأسيس على نسقٍ شفاف و عادل يعكس و يجسد تنوع الشعوب السودانية ، و بحيث تصبح قوات عسكرية و أمنية إحترافية و مهنية مدربة و متخصصة في حماية أمن الوطن و المواطن و حفظ القانون و الدستور ، و لا تمارس السياسة و لا تنتهج مسلك المليشيات ، و لا تتدخل في شؤون الحكم و الإقتصاد أو تَسَوِّي شغل التلات ورقات...
و لقد تهاون أصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة من الشباب الثآئر و الوطنيين و فرطوا تفريطاً عظيماً في حصد نجاحات نضالهم/كفاحهم ضد الطغيان عقب تمكنهم من هز/زلزلت جميع أركان مؤسسات نظام الإنقاذ (الكيزان): العسكرية و الأمنية و السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية في ثورة ديسمبر ٢٠١٨ ميلادية ، و سببوا للجماعة (الكيزان) الذعر و الهلع و الخوف العظيم و أُمّ هَلَهَلَة و خَلُّوهم يفكوا البِيرَق آنذاك ، و عوضاً عن التفعيل الفوري للشرعية الثورية في المحاسبة و العقاب و تثبيت الأحقية في الحكم و تولي زمام الأمور في إدارة البلاد و تخطيط و رسم مشاريع المستقبل إنساق الثوار و آخرون و انخدعوا إلى مكآئد و أحاييل اللجنة الأمنية العليا لنظام الإنقاذ/الكيزان (المجلس العسكري/السيادي الإنتقالي) و أذنابهم من أرزقية/مدعي السياسة ، و وقعوا في حبآئل مخططات و خدع الجماعة (الكيزان) و سعيها الدؤوب إلى إجهاض الثورة و إعاقة مسيرتها عن طريق القمع و القتل و التخريب و المماطلات و التآمر و التسويف...
و لقد شهدت الفترة الإنتقالية تَخَرُّص و تَقَزُّم القادرين من أصحاب الفكر و الرأي و المشهود لهم بالحكمة و النزاهة و التجرد و الوطنية و إحجامهم عن المشاركات الميدانية/العملية و تقدم الصفوف و تقديم/إسدآء المشورة و النصيحة الفاعلة و المؤثرة للثوار ، و كيف أنهم و الثوار قد تركوا الباب مفتوحاً على مصراعيه لمدعي السياسة من جماعات الأرزقية و الطفيلية و الفواقد و السواقط ، و أخلوا لهم الساحات فتسيدوها براياتهم/منابرهم و جعيرهم (جئيرهم)...
و لقد عايشت الشعوب السودانية التهافت الفاضح و المخزي من قبل مدعي السياسة من الفواقد و السواقط على المكاسب و المنافع الشخصية ، و رأوْا بأم أعينهم إنغماسهم السافر في المحاصصات و تبوء المناصب التنفيذية و الإدارية إبان الفترة الإنتقالية متناسين الثورة و معاناة الجماهير ، و ما كان لذلك أن يحدث لولا تهاون أصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة و تقاعسهم/دَقسَتهم في رمي البَايظ و إحقاق الحق و تفعيل الشرعية الثورية...
و لقد وجد عسكر اللجنة الأمنية العليا لنظام الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (المجلس العسكري/السيادي الإنتقالي) ضآلتهم في جماعات مدعي السياسة من الأرزقية و الإنتهازية و الطفيلية يوجهونها كيفما و أنما شآءوا لخدمة مصالحهم في إستدامة حكمهم و إعاقة الثورة و إجهاض كل المحاولات الجادة الساعية إلى إحداث التغيير و ذلك عن طريق المؤمرات و التحركات المضادة المتمثلة في التحالفات السياسية الموازية و المشاركات/التعينات الصورية و حكومات الباطن و الزحف الأخضر و إعتصام القصر (الموز) و المطالبة بالإنقلاب العسكري:
الليلة ما بنرجع...
إلا البيان يطلع...
و البيان في أدبيات الشعوب السودانية يعني الإنقلاب العسكري و المارشات العسكرية تبث من إذاعة هنا أم درمان يعقبها البيان الأول لقآئد المجلس العسكري الذي تولى زمام الحكم حفاظاً على وحدة و أمن البلاد!!!...
و لقد وثقت جهات عديدة تكالب شركات الأجهزة العسكرية و الأمنية و بقية مؤسسات و شركات الجماعة (الكيزان) و مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) و جماعات الأرزقية و الطفيلية السياسية و الإقتصادية على نهب ثروات و موارد البلاد مستغلين في ذلك العبث السياسي و أجوآء الفساد و الفوضى الأمنية و الإدارية التي ألمت ببلاد السودان إبان فترة حكم الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) و استمرت طوال الفترة الإنتقالية و ما تلاها من إنقلاب عسكري...
و لم يكن من المستغرب أن تتعالى أصوات أصحاب الأقلام المأجورة و صحفي الحِيرَة و إعلامي آخر الزمن ، و يشمل ذلك الجِداد الإلكتروني بشقيه الكيزاني و الجنجويدي ، و أن تنشط غرف أجهزة الأمن الإعلامية ، و تتكثف النشاطات المحمومة في نشر الإشاعات و الأكاذيب و الأباطيل عن الثورة و الثوار و الأجسام السياسية الوطنية المساندة للثورة و التغيير ، و أن يعاد إنتاج بضاعة الدجل الكيزاني القديم ، و لكن هذه المرة أتت البضاعة مغلفة في أثواب الوطنية و معارك إسترداد الكرامة...
و لم يعد خافياً تآمر الدول و الدوآئر الأجنبية و ولوغها/تورطها المباشر في الشأن السوداني عبر وكلآءها/عملآءها المحليين و بما يخدم مصالحها و يعيق مسيرة الثورة السودانية التي تمثل/تشكل تهديداً مباشراً لأمنها السياسي و الإقتصادي...
و يعتقد الكثير من السودانيين أن المنظمات الدولية و الإقليمية و القارية قد تقاعست عن مساندة الثورة/الشعوب السودانية ، و تماطلت/تراخت كثيراً في إدانة الظالمين و المعتدين و المغتصبين من عساكر اللجنة الأمنية العليا (المجلس العسكري/السيادي الإنتقالي) و مليشيات الجَنجَوِيد ، و غضت الطرف عن إعتدآءاتهم المتعددة/المتكررة ضد الثوار و إرتكابهم المجازر و الإبادات الجماعية ، بل و تورط بعضٌ منها في مساندة و تلميع القتلة و الجناة كما في حالة قآئد مليشيات الجَنجَوِيد حِمِيدتِي و علاقاته مع الإتحاد الأوروبي و روسيا و دول عديدة في القارة و الإقليم...
الختام:
و ما حك جلدك مثل ظفرك ، و لا يلوم الثوار و الوطنيون إلا أنفسهم...
و ليس التعلم عن طريق الخطأ بأفضل وسيلة للتعليم ، لكن قالوا العَترَة بِتصَلِّح المَشِيَة...
و سوف تنطفيء نيران الحرب ، و ستتقد نيران الثورة من جديد ، و لن يَتَخَمَّ الثوار مرة أخرى ، و سيحدثون التغيير...
و سوف يعود العسكر إلى ثكناتهم ، و ستحل مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) ، و ستعاد صياغة/تأسيس الجيش السوداني و الأنظمة الأمنية على أسس جديدة...
و سوف تظل الجماعة المتأسلمة (الكيزان) و مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) تاريخاً أسوداً من الظلم و الإنتهاكات و الفظاعات...
و سوف تنشأ دولة القانون و العدالة و المؤسسات في بلاد السودان ، و سوف تتم محاسبة القتلة و المسيئيين و الفاسدين ، و سوف يتم تفكيك أجهزة و مؤسسات نظام الثلاثين (٣٠) من يونيو ١٩٨٩ الفاسد البغيض...
و لن تحكم الجماعة المتأسلمة (الكيزان) بلاد السودان مرة أخرى و لو إنطبقت السما مع الوَاضَة...
و أي كوز ندوسو دوس...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة

fbasama@gmail.com
///////////////////

 

آراء