انتهازية الساسة وضعف الفكرة

 


 

 

من مسلمات الفكرة الديمقراطية ، انها تتضمن فيما تتضمن : لمذا لا ادعه يحكم اليوم علي امل ان احكم انا غدا . والمتتبع لتاريخ السودان ما بعد الحقبة الكولينيالية البريطانية ، يجد غيابا تاما لهذه الفكرة . ربما كان ذلك ناتجا عن ميراث ثقافي وحضاري تراكمي في العقل الجمعي السوداني ، تعلو فيه فكرة الانا التي ربما تصل الي هد المعبد في حالتها المتطرفة ، ولطالما تذكرت خطيب الطلاب المحايديين في ركن النقاش في جامعة الخرطوم في اواخر تسعينات القرن الماضي ، عندما كان يكايد الطلاب الاسلاميين في الجامعة بان نتيجة الانتخابات في هذا العام كانت صفرا لا غالب فيها ولا مغلوب ، وبالطبع نتجت هذه النتيجة عن مشادة جماهيرية بين الاطراف المتنافسة ادت الي إلغاء الانتخابات .
ألم يسأل ساسة حزب الأمة أنفسهم، وهم يسلمون السلطة للجنرال عبود ، ماذا لو فاز الاتحاديون ثم افشلنا لهم مخطط الوحدة مع مصر بالوسائل الديمقراطية المعهودة، بدلا عن انقلاب عسكري غير مأمون الجانب ، يدخل العسكر الي الباحة السياسية حيث يصعب اخراجهم منها مرة اخري .
ألم يسأل الشيوعيون أنفسهم وهم يعدون لانقلاب مايو ماذا لو اجيز الدستور الإسلامي، ثم اسقطناه بعد ذلك بالوسائل الديمقراطية المعهودة ، بدلا عن نظام عسكري غير مأمون الجانب يثبت الشريعة الإسلامية في آخر سني عهده الميمون !
ألم يسأل الاسلاميون أنفسهم ماذا لو تمت اتفاقية الميرغني قرنق ، وتم تثبيت وحدة البلاد عبرها ، ثم العمل بعد ذلك لاحلال دولة الإسلام بالطرق الديمقراطية، بدلا عن انقلاب عسكري غير مأمون الجانب يزج بعراب الفكرة في غياهب السجون في احد منحنيات عهده .
اندهش الرئيس جعفر نميري ، عندما تم اخباره في المصالحة الوطنية . ان السيد الصادق المهدي ليس له مطالب سوي المطالبة بارجاع دائرة المهدي . الشيء الذي يعني بأن عقل السيد الصادق المهدي لم يكن مشغولا بالديمقراطية كثيرا ، قدر انشغاله بالرجوع للسلطة ورجوع الثروة اليه .
وسواء تامرت الحرية والتغيير مع حميدتي لعمل انقلاب ، ام اوحت له الأجواء السياسية المشحونة والتي لا تقبل بوجود الاخر المختلف علي اي حال ، بعمل هذا الانقلاب والذي فشل في الاطاحة بالحكم الموجود ، ليدخل البلاد في اتون حرب تضرر منها الأخضر واليابس ، فإن هذه الحرب كانت تمثل تتويجا لتاريخ الساسة السودانيين الطويل مع الانتهازية، وعدم جديتهم في الركون الي الوسائل الديمقراطية. وفشلهم الزريع في تحمل وجود الاخر والعمل معه بدلا من العمل علي افنائه .
مثل ترامب حالة متطرفة في تاريخ السياسة الأمريكية، وبدأ في هز قيم ثقافة التنوع والتسامح المبنية عليها الدولة الأمريكية، ولكن بالرغم من التحدي الذي مثله ترامب الا ان أحد لم يفكر في عمل انقلاب عليه ، بل بدا مواجهته مؤسسيا وديمقراطيا ودستوريا ، وتم افشال كثير من مخططاته قبل اسقاطه ديمقراطيا.
فمتي يعي الساسة السودانيون ان خسارة جولة لا تعني نهاية المطاف وان خسارة السلطة ولو لوقت محدود خير من فناء الدولة السودانية.
امجد هرفي بولس
wadharfee76@gmail.com

 

آراء