قدر الأمم ومصيرها يبدأ من الفصل الدراسي، طموحات ما بعد الحرب – الجزء (9)

 


 

 

استراتيجية لإصلاح التعليم في السودان تماشياً مع شعارات ثورة ديسمبر 201
بقلم
الدكتور أحمد جمعة صديق
جامعة الزعيم الأزهري - جامعة الخرطوم
(الجزء التاسع )
• المناهج الدراسية: اعداد للقرن ال21
على ضوء المقال السابق عن فلسفة التعليم في السودان، علينا ان نبني الكثير من المفاهيم الجديدة التي تضمنتها ثورة دسيمبر 2018 من شعارات. علينا ان ننزل هذه الشعارات التي تنادي (بالحرية والسلام والعادلة والمدنية والديموقراطية ) ان تكون هي الموجهات الاساسية التي يجب ان نضمنها مناهج تعليمنا في كل المراحل حتي تكون اهداف راسخة ومسجلة في ذاكرة الشعب. وفي هذا السياق علينا ان نعيد التفكير في جدوى الخطط والرؤيا التي عاشها الشعب طيلة ال30 عاما الماضية فلم تفرز في النهاية الى الى اطلاق مارد متوحش يسكن في اعماق الانسان السوداني ويعمل الآن في تدمير واغتيال تاريخ الامة وجغرافيتها وثقافتها ولا يرده أو يوقفه الا العمل الثوري الذي كانت مظاهراته المليونية دليل الجماهير في الرغبة في التغيير. وفي الاسطر التالية سنتاول بعض هموم التعليم كروشتة علاج للخروج من هذه الازمة ان شاء الله غانمين:
- الرؤية: نحتاج إلى تصميم رؤية واضحة للتعليم تتضمن الأهداف اعلاها لترسيخ مبادئ (الحرية والسلام والعدالة والحرية والديموقراطية والمدنية) لتكون هي المصباح الذي نسيرعلى ضوئه نحو المستقبل.
- الرسالة: الرسالة هي ان تصير الاهداف اعلاه حقائق على ارض الواقع وجزء من التركيبة النفسيىة والعضوية والمعنوية للانسان السوداني الجديد المتطلع الى ان يعيش وقائع القرن ال21 مستمتعا بمنتجاته كمسهتلك وصانع لاحداثه ضمن المنظومة الانسانية التي نشاركها هموم الارض والتاريخ الحديث.
- الأهداف: نحتاج الى مصفوفة من الاهداف التربوية التي تحقق الروية التي طرحناها في تلك الشعارات وتضمن هذه الاهداف التربوية والتعليمية في مناهجنا الحديثة. هذه المصفوفة من الاهداف تصف جميع الاهداف المرجوة على جميع المستويات بطريقة علمية. مع استصحاب مفهوم الجودة وإدارة الجودة في التعليم وهي من المفاهيم الغائبة عن تعليمنا وفي العديد من جوانب حياتنا الأخرى. فنحن نحتاج إلى أهداف واضحة قابلة للتحقيق وقابلة للقياس. نحتاج إلى خطط وطنية تعليمية واضحة يكون لها تأثير مباشر وفوري على حياة المواطن السوداني بعد هذه المعاناة التي كتبت عليه بسبب هذه الحرب اللعينة.
- ينبغي أن يكون الهدف النهائي لتعليم وتدريب المواطنين هو القدرة على التفكير والعمل بمهارة وفعالية. نحتاج إلى قوة عاملة ذات عقول ناقدة وكفاءة لإنجاز المهام. فأن تكون مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً أووثنياً هذه ليست اهداف بل هي غايات؛ ولكن في داخل هذه السياقات الدينية والفكرية علينا ان نصبح مواطنين جيدين، حريصين على تنفيذ الواجبات في المقام الأول والمطالبة بالحقوق الكاملة في المقام الثاني، بالإضافة إلى الالتزام بالحرية دون إيذاء الآخرين او التغول على حدودهم وحقوقهم. ولتحقيق هذه الخطط، يود الباحث أن يضع مقترحات كخارطة طريق تتعلق بالمنهج والمقررات الدراسية تتضمن التالية:
1. وضع الرؤية والرسالة لوزارة التربية والتعليم.
2. وصف الاهداف التربوية بوضع مصفوفة اهداف لتحسين جودة التعليم على جميع المستويات. وهذا يتم بتكوين لجان على مستوى عالي من التخصص والمهنية.
3. تطوير مناهج تعليمية تعتمد على أحدث التطورات العلمية والتكنولوجية.
4. توفير البنية التحتية اللازمة لدعم عملية التعليم والتعلم.
5. تدريب وتأهيل المعلمين والمدربين بما يتوافق مع متطلبات العصر.
6. عزيز ثقافة الابتكار والبحث العلمي بين الطلاب والمعلمين.
7. . توفير فرص التعليم المتساوية للجميع دون تمييز في ظل الدولة المدنية الحديثة والقوانين التي تكفل الحقوق والواجبات
8. . تعزيز التعليم العالي والبحث العلمي لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
9. تعزيز الشراكة والتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتعزيز الجهود التعليمية.
• تصميم المناهج والمقررات الدراسية:
المنهج (Curriculum) هو مخطط للفلسفة العامة للتعليم في بلد معين، بينما المقررات الدراسية (Syllabus) تهتم بتفاصيل المواد التعليمية التي يتم تدريسها في الفصل الدراسي، ويتم تضمينها في الكتاب المدرسي للطالب (Textbook) مع ملحقاته من كتب النشاط والدليل المعملي وكتاب المرشد Teacher’s Book - Teacher’s Guide - Teacher’s Manual) الذي يستخدمه المدرس في تبسيط خطط الدرس وتسهيله للفهم. وهذه سنفرد لها حيزا في مقالاتنا القادمة ان شاء الله. ويحوي المنهج مواضيع مختلفة وتخصصات مختلفة تهدف إلى تحقيق المخرجات التعليمية المنشودة.
المنهج الدراسي بهذا الفهم هو جرعة تعليمية تعطى في الوقت المناسب وللعمر المناسب، لتحقيق التغيير المرغوب في الدارسين. يمكن أن تكون هذه الجرعة قاتلة في بعض الأحيان إذا تجاوزت كميتها، ومضرة ايضاً إذا كانت أقل من ذلك. فمصممو المناهج هم المهندسون المؤهلون لبرمجة الأفراد من خلال هذه الجرعات المحددة بعناية. ومما يؤسف فان معظم المناهج التي يُدرسها طلابنا في مدارسنا اليوم تدور حول تاريخ العلوم - بمعلومات قديمة لا تتماشى مع التعليم الحديث وقصور في فهم دور العلوم الاجتماعية والانسانية أيضاً في تكوين الفرد وكان ذلك بسبب الطريقة التي يتم بها تصميم وتصنيع المناهج في بلادنا.
فلسنوات عديدة؛ كانت هناك لجان (مقيمة) في بخت الرضا وغيرها من المؤسسات تتعامل مع صناعة الكتب المدرسية بطريقة (تقليدية). وربما سنتطرق الى دور بخت الرضا في هذا الموضوع في مقال لاحق -
في بلدان كثيرة يتم اختيار الكتاب المدرسي بطريقتين:
- الاولي عن طريق شراء الكتاب مباشرة من الناشر بالمكتبات المتخصصة في النشر الاكاديمي.
- الطريقة الثانية. يتم التعامل مع المناهج على أساس (عروض أو مناقصات)، حيث تعلن وزارة التربية والتعليم أو مديرية التعليم إلى الكتّاب والمؤلفين المتخصصين في تصميم المناهج وتأليف الكتب المدرسية والناشرين؛ للتنافس للتاليف في موضوع معين وفقًا لتوجيهات إدارة التعليم لتحقيق الأهداف التعليمية على المستوى المحلي.
- وباستخدام هذا الآلية، يمكننا الحصول على مئات المشاريع المنهجية المؤلفة بشكل جيد لاختيار الأفضل من بينها، ويمكننا تقديم مقترحات لجمع المشاريع المتجانسة في كتاب واحد بموافقة مؤلفين اثنين أو أكثر، برؤى مشتركة تلبي متطلبات واحتياجات الدارسين.
- ونحن نعلم ان عمل اللجان يقتل الابداع، اذ يجعل الفريق المكلف بكتابة المنهج غالبًا ما ينتج أعمال متشظية غير مترابطة في الشكل والمضمون إلى حد كبير، حيث يفكر أولئك المختصون عن العمل بطرق فردية ويسلكون اتجاهات مختلفة نظراً لاختلاف وطبيعة الإنسان ومزاجه الشخصي. وهذا يؤكد لنا أن الكثير من الطهاة دائماً يفسد الطبخة. ويحدث الاختلاف في اهمية وترتيب وكمية المادة المطلوبة حسب الرؤية الشخصية لكل عضو في اللجنة، مما يصعب معه التوازن في تحيق عمل متجانس.
- أما العمل في صناعة أو كتابة المنهج بطريقة فردية يمكّن مؤلف المنهج من الرؤية الشامة لترتيب واهمية المواضيع. ثم يأتي دور اللجان لتقوم بالفرز واقتراح بالحذف أو الدمج لكتابين لمؤلفين أو أكثر.
• عناصر ضرورية في صناعة الكتاب المدرسي
الاتجاهات الحديثة في تصميم المناهج والكتب المدرسية تعكس الاحتياجات المتطورة لأنظمة التعليم في جميع أنحاء العالم، وذلك بفعل التطورات في التكنولوجيا والتغيرات في القيم الاجتماعية، والتحولات في النهج التربوي. في هذا الحيز سنتناول بعض العناصر الضروية التي تساعد في صناعة المناهج والكتب المدرسية في جميع أنحاء العالم.
- دمج التكنولوجيا: مع انتشار الأدوات والموارد الرقمية، تقوم تصاميم المناهج والكتب المدرسية الحديثة بدمج التكنولوجيا بشكل متزايد في عملية التعلم. ويشمل ذلك استخدام عناصر الوسائط المتعددة مثل الفيديوهات والمحاكاة التفاعلية والتقييم عبر الإنترنت لتعزيز الانخراط والفهم.
- التعلم الشخصي: مع الاعتراف بأنماط وتفضيلات اساليب التعلم المتنوعة للطلاب، تهدف تصاميم المناهج الحديثة إلى استيعاب الاحتياجات الفردية من خلال مسارات التعلم الشخصية. وقد يشمل ذلك استخدام منصات التعلم التكيفي التي تُصمم المحتوى استنادًا إلى نقاط قوة وضعف الطلاب وتقدمهم.
- التعلم القائم على المشاريع: بعيدًا عن التلقين التقليدي، تؤكد العديد من تصاميم المناهج الحديثة الآن على النهج القائم على المشاريع. حيث يشارك الطلاب في مشاريع عملية ومتعددة التخصصات تعزز التفكير النقدي والتعاون ومهارات حل المشكلات بينما يتعاملون مع تحديات العالم الحقيقي.
- التعلم القائم على التجارب: من خلال تشجيع الفضول والاستكشاف، يعتبر التعلم القائم على التجربة اتجاهًا شائعًا آخر في تصاميم المناهج. حيث يقوم المعلمون بتسهيل العمل والتجارب، مما يمكّن الطلاب من طرح الأسئلة وصياغة الافتراضات واكتشاف الإجابات من خلال التطبيق.
- تعليم المواطنة العالمية: وكرد فعل على التواصل والتفاعل المتزايد في العالم، غالبًا ما تتضمن تصاميم المناهج الحديثة عناصر من تعليم المواطنة العالمية. ويتضمن ذلك تنمية وعي الطلاب بالقضايا العالمية مثل قضايا البيئة، وتعزيز الفهم الثقافي، وتعزيز التعاطف والتضامن مع المجتمعات المتنوعة في جميع أنحاء العالم.
- تعليم STEMوهواختصارل((Science Technology Engineering Math ويركز على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، وتعتبر العديد من تصاميم المناهج تطوير المهارات ذات الصلة بسوق العمل في القرن الحادي والعشرين أمراً مهماً. ويتضمن ذلك دمج مفاهيم STEM عبر مواد مختلفة وتوفير فرص للتجربة العملية وحل المشكلات.
- التربية ذات الصلة بالثقافة: بالاعتراف بأهمية التدريس الذي يتضمن المؤشرات الثقافية للامة، اذ تسعى تصاميم المناهج الحديثة لدمج منظورات وتجارب متنوعة في المنهج الدراسي. ويتضمن ذلك اختيار الكتب المدرسية والمواد التعليمية التي تعكس الخلفيات الثقافية والهويات للطلاب، وتعزيز الشمولية والعدالة في التعليم.
- تعليم الاستدامة: بالتعامل مع تحديات البيئة لتعكس الاحتياجات المتطورة لأنظمة التعليم في جميع أنحاء العالم، وذلك بفعل التطورات في التكنولوجيا والتغيرات في القيم الاجتماعية، والتحولات في النهج التربوي.
وباختصارتعكس الاتجاهات الحديثة في تصاميم المناهج والكتب المدرسية تحولاّ نحو منهج يركز على المتعلم، معززبالتكنولوجيا، ويستجيب للتطورات في مجال التعليم بشكل خاص والثقافة بصورة عامة. ومن خلال اعتماد هذه الاتجاهات، يمكن للمعلمين خلق تجارب تعليم جذابة وملائمة وشاملة تسعد الطلاب وتعدهم للنجاح بثقافة القرن الحادي والعشرين.

aahmedgumaa@yahoo.com

 

آراء