ما هوَ المَنطِقْ في التّسَامي فوق الجِراحَات؟

 


 

 

ورقتنا الأمْنِيّه الأولى التي قُدِّمَت لحكومة الإنتقال كانت قاطِعَه فيما يخُصُّ مليشيا الدعم السّريع ، التي كانت الوحيدَه حينها على المَسْرَح ، بإخراجِها " أوّلاً " من المُدُن والعاصمة المُثَلّثه توطئةً لِفَرزِ جِنسِيّات مُكَوّناتِها ثُمّ تقديم مَن أجرَموا من كوادِرِها للعداله ثمّ إعادة بناء أفرادها ثُمّ إتّباع الإجراءات الدوليه في التفكيك وإعادة الدّمْج.
إحتوت ورقَتُنا أيضًا تصفية جهاز الأمن ونزع سلاح هيئة العمليات بالجهاز ومُحاكَمة من أجرموا في حق الوطن والمواطِن. كلّ ذلك لم يؤخَذُ بهِ وتمرّدت القوه المُشار اليها بعد شهورٍ من بدايةِ الإنتقال ولولا لُطف الله لَحَدثت مجازر.

كُنّا نعمل ليلَ نَهار ونحنُ ( في قمة السعاده والأمَل) ولكن بعد انقضاءِ الساعات والأيام والشهور التي أعقَبَت تقديم الورقه بدأ الوسواس يجتاحُ دواخِلَنا والتساؤلات عن كُنْهِ حكومَتِنا المدنيه هذه وإلى أينَ تَتبَع ( وشايته على وين ؟)
إعتَرَضنا على تعيين السيد جبريل كوزير قطعاً ليس بإعتبارِِ عِرقِهِ ولكن بإعتبارِ إنتمائهِ السياسي الذي قامت ضدَّهُ الثوره ولم تتحَرّك الحكومَه وبَعدَها عَضّدت تَصَرُّفات الرّجُل ( إدِّعاءاتَنا ) فكانت زيارَتَهُ لمنزلِ رئيسِ حِزبِهِ ثُمّ خُطبَتَهُ في رهطٍ لَهُ وهو يُطَمئنُهُم على حقوقِهِم طالما أنّهُ في موقِعِه ذاك وسارَ الزمَن بساعاتِهِ وأيّامِهِ وشهورِهِ وكانَ الوسواسُ يتناسَبُ طرديّاً مع سَيْرِهِ ذاك.
قوّات المليشيات المُسَلّحه وهي في طريقِها الى عاصِمَةِ البِلاد الآمِنَه والّتي ينومُ أهلُها على قارِعَة الطريق أمامَ بيوتِهِم ومَتاجِرِهم وأفرادُها ، القوّات ، يتَرَنّمون بأهازيجِهِم وجَلالاتِهِم ( كُلّ القُوّه خرطوم جُوَّه ) ، والحالُ كذلك ، دَفَعنا بِوَرَقَتِنا الثالثه وأتت نتائجُها بسُرعَةٍ عندما أمّت الحكومه المدنيّه وحاضِنَتَها ارض الإحتِفال بالسّاحَةِ الخضراء ترحيباً بجوبا ، الكارثه ، وبالقوّات وبالسلاح الذي كانَ وظَلّ عالةً على الثوره وقاطِعاً لكلّ طريقٍ قد يؤدّي الى خيرٍ ترجوهُ بلادُنا.
عندما اختلط الحابل بالنابل وتعرّضَت البلاد لِقَسوةٍ إجراميّه عَلَنيَّةٍ غيرِ مسبوقَه ولا مُتَصَوَّره ؛ تأكّدَ لنا أنّ الأمرَ غير طبيعي. لماذا صَمْت قيادة الدوله المدنيه حيالَ ما يَحدُث وهي ما يُفتَرَض أنّها قيادة ثوره وأنّ سِلاحَها هو الشعب الذي جَلَسَت حيثُ هيَ بإسمِهِ.
لم نَدرِ ماذا كانت غبينة المدنيين الذين حكموا الإنتقال مع مفصولي الشرطه تحديداً فأبعدوهُم وبل أصَرّوا على إبعادِهِم وهُم الّذينَ قادوا في اكتوبر ١٩٨٩ أوّل مواجهه مباشره وتاريخيه ضد نظام الإنقاذ على الإطلاق وظلوا مخلصين لقضية الوطن حتى الان. لماذا اقتنعوا بفكرة العسكر إبعاد كل الصميمين القادرين على إجراء التصحيح المطلوب في ظرفٍ وَجيز ووضع الوطن في مسارِهِ الأمني الصحيح .. نحنُ فقط نتساءل ؛ أم يا تُرى أنّ العسكر هم الذين اقتنعوا بفكرةِ المدنيين في هذا الإقصاء!
ما هوَ المَنطِق في ( التسامي فوق الجراحات ) الذي يدعو لَهُ البعض الآن ؟ وهل هذه الجِراحَات شخصيّه أم جراحات وطن؟ إنّ المنطق يقول أن تتسامى فوق الجراحات التي تصيبُكَ شخصيّاً ولكن ليس الجِراحات التي تُعيق الوطن بسبقِ إصرارٍ أفضى لما نحنُ فيهِ الآن من أرواحٍ تُفقَدُ على مَدارِ الساعه وانفلاتات قبليه ودماء وفقر وجريمه وتهديد بزوالِ الوطن فمن المسؤول ولماذا نستصحبهُ معنا وبأي منطق؟ لماذا نجتهد كي نجد له الأعذار ونتبارى في تبرئة ساحَتِهِ ثم نعودُ للبُكاءِ من جديد بِما اقتَرَفَت أيدينا؟ ألَم تَكُن كل هذه التصرّفات عبارةً عن أخطاءٍ يأخُذُُ بَعضَها بتلابيبِ بعض ورقابِ بعض على مدى ثلاثةِ أعوامٍ تُعتَبَرُ ( أهم ) الأعوام في تاريخ السودان على الإطلاق؟ ثلاثة اعوام بشهورِها وأيامها وساعاتها وثوانيها تمُر وحين نستيقظ نجد انفُسَنا تحت جيش الإنقاذ وشرطة الإنقاذ وأمن الانقاذ .. من المسؤول عن كلّ هذا؟ ألا يقتضي الأمر أن يتم التحقيق الجاد في كل هذا؟ الم ينادي الجميع بضرورة المحاسبه والبُعد عن ( عفا اللهُ عمّا سلف )؟ من الذي تسبب في الانقلاب العسكري؟ هل هم عسكر يفِرّون من المحاسبه على جرائمِهِم ويتمسّكونَ بمنهوباتِهم ويَحمونَ معاقِلَ إنتِمائهِم؟ هل هُم سُلطه مدنيه تركَت الجمل بما حمل للعسكَر من اقتصادٍ وسلامٍ وأمنٍ ووجودٍ مُسَلّح داخل العاصمه والمُدُن وتَمَسّكت بوجودٍ رَمزي لا يُسمِن ولا يُغني من جوع؟
لماذا يدفع شعب السودان ثمَن ماهوَ فيهِ الآن دون تحقيقٍ ودونَ مُحاسبه ودونَ مُساءلَه ودونَ مُحاكَمَه؟
نحنُ لم نُخَوّن أحداً لا السيد رئيس الوزراء ولا حاضِنَتِهِ. نحنُ طالَبنا بإجراءِ تحقيق وليس تَبَني شعارات عَصَفَت بتاريخِنا ونحنُ نُدرِك ذلك الآن ونمضي مُغمَضي الأعيُن نحو ذات الغايه. ليس مبرراً دِقّة الوضع الذي نحنُ فيهِ. دعونا الى تحقيق لأننا نُدرِك أنهُ أُسُّ العداله وبلا عداله فلا شيئَ يُرتَجى.

melsayigh@gmail.com
///////////////////////

 

آراء