هل جرف “طوفان الأقصى” جسور إنسانية قادة إسرائيل؟

 


 

أتيم قـرنـق
14 October, 2023

 

العمليةُ العسكرية المسماة "طوفان الأقصى" التي قامتْ بها كتائبُ القسام داخل حدود دولةِ إسرائيل، شرق قطاع غزة، تبدو أنها دمرت سدود مبادئ الإنسانية من قلوب قادة إسرائيل و جرفت جسور حقوق الإنسان من عقول هؤلاء القادة، و تركتهم مشلولي الارادة، شاخصي الأبصار و خلطت عليهم، مؤقتاً، اوراق الجاهزية الاستخباراتية و الردع الامني و الزهو العنصري!

هذا الطوفان العرمرم، قد اغرق و طمس التعاطف الذي كان يكنه الكثير من شعوب العالم نحو دولة إسرائيل؛ لان هذه الشعوب تعتقد أن اليهود، أينما وجدوا، سيكونون دوماً رسل سلام و دعاة التعايش السلمي بسبب ما تعرضوا له من قهر و ظلم في أُروبا علي مدي قرون عديدة و الذي بلغ ذروته علي يد النازيين بقيادة هتلر اثناء الحرب العالمية الثانية؛ من خلال العملية و المحرقة التي عرفت ب(الهولوكوست). و طوفان الأقصى هذا، فضح و كشف للعالم حقيقة عدم انسانية إسرائيل و عدم تذكرهم لماضيهم المرير و ما عانوها من قسوة و كراهية و اللاإنسانية التي تجرعوها علي أيدي حاضنيهم اليوم.

اقول هذا، لما بدر من قادة إسرائيل عندما أفاقوا من صدمة التسلل السلس المنسق و الهجوم المباغت و المفاجئ و المميت من قبل حماس المصنف كتنظيم (إرهابي) لدي إسرائيل و أمريكا و حلفائها. إستطاع هذا التنظيم (الارهابي) او (كتائب المقاومة) و تمكن من دخول (الأراضي) الاسرائيلية و سيطر (لبعض الوقت) علي مواقع عسكرية و تحييد عناصر من الجيش الإسرائيلي في تلك المواقع و تم اسر بعضهم و من بينهم ضباط برتب رفيعة.

هؤلاء القادة الاسرائليين قالوا ان إسرائيل يحارب (حيوانات) في غزة و لذا وجب منع امدادهم بالماء و الدواء و الكهرباء و الغذاء (و من ضمنها لبن الأطفال) و الوقود من داخل إسرائيل. و هذا، أليس صحيحاً ان "طوفان الأقصى" قد دمر سدود الانسانية و جرف جسور مبادئ حقوق الانسان من قلوب و عقول هؤلاء القادة؟

مثل هذه العملية العسكرية الجريئة لم تقم بها، في الماضي، اي جيشٍ من جيوشِ دول جوار إسرائيل، الشئُ الذي أغضب و دفع قادة إسرائيل لإعلان حرب شامل علي الشعب الفلسطيني في قطاع غزة و الضفة الغربية. و في شكل جنوني لم يسبق له مثيل في العصر الحاضر ان تقوم دولة تعتبر نفسها قوية و متفوقة عسكريًا و اقتصاديًا و سياسيًا و تكنولجياً بسحق و انزال دمار شامل علي مدن و قري مكتظة بالسكان المدنيين و ذلك من أجل الانتقام و ليس من أجل بسط السلام و الاستقرار. نعم إسرائيل دولة متطورة و متقدمة و لكن ما أعلنتها و نفذتها قادتها غير متناسقة اخلاقياً و انسانياً مع ذلك التطور و التقدم.

عملية "طوفان الأقصي" تمخضت عنها في إعتقادي الآتي:
• عملية "السيوف الحديدية"عبارة عن عملية إنتقامية إبادية لكل شئ حي في قطاع غزة بغرض ان يستحوذ إسرائيل علي ارض فلسطين دون سكانها؛
• حقيقة ان الجيش الاسرائيلي يمتلك الكم الهائل و المتطور من السلاح و الحديث من آلة الحرب كما ان التدريب عالي جداً، الا ان الإقدام و الفدائية و الجرأة الانتحارية التي يتسلح بها افراد (كتائب القسام) لا يمتلكها الجندي الاسرائيلي!
• عملية "السيوف الحديدية" جندت ما يزيد علي نصف مليون طفل فلسطيني لصفوف حماس و المقاومة الفلسطينية لحمل السلاح و لو بعد ثلاثة عقود من الآن، لان الذين نفذوا عملية "طوفان الأقصي" جلهم من مواليد ما بعد اكتوبر ١٩٧٣!
• فضحت غياب وحدة قيادة "الامة" العربية، بينما الشعوب العربية متعاطفة مع الفلسطينيين بصورة صادقة؛
• اتضحت ان الولايات المتحدة و حلفاءها الاوروبيين لا يستحيون من ازدواجية المعايير الدولية لذا يعتبرون ان حقوق الانسان و القوانين الدولية لا تنطبق علي المدنيين الفلسطينيين في غزة و الضفة؛
• كشفت ان بعض قادة الدول الأفريقية يتجاهلون حقيقة ان أراضي دولة اوغندة الحالية كانت مرشحة أن تقام عليها الدولة اليهودية و لكن في النهاية الاوروبيون فضلوا أرض فلسطين لاقامة الدولة اليهودية. و لستُ ادري كيف كانت ستكون مواقف قادتنا في أفريقيا لو تمت اقامة الدولة اليهودية علي أرض أفريقية هي اوغندة و من ثم قام الاوغنديون بالمقاومة و القتال ضد المحتلين اليهود و تقوم الولايات المتحدة و حلفاؤها بتصنيف الاوغنديين بالارهابيين؟ هل كان سيحق للدولة اليهودية حق الدفاع عن نفسها و سحق و قتل الاوغنديين؛ تصور، و نقف مع اليهود؟

ما أتمناه هو تحقيق السلام والاستقرار و العدالة في ارض فلسطين و ذلك بقيام دولتين منزوعتي السلاح؛ احدهما للاسرائيليين و اخري للفلسطينيين. و هذا لا يمكن تحقيقه الا لو صمم و قرر الرئيس المصري و نسق مع والي العهد السعودى و امير دولة قطر و الرئيس التركي و كونوا جبهة واحدة تسعى لتحقيق قيام دولتين علي ضوء قرارات الامم المتحدة منذ ١٩٤٨.

في أقل من عام واحد فقط سيتبلور عملية تحقيق قيام الدولتين. لأن مثل هذه الجبهة القوية ستقف معها الدول الاعضاء في جامعة الدول العربية و الدول الاعضاء في مؤتمر الدول الإسلامية و الدول الاعضاء في الإتحاد الافريقي و إيران و روسيا و الصين و الدول التي تؤمن بحقوق الشعوب ان تكون لها أوطاناً خاصة بها مثل الدول الاسكندنافية التي ساندت اتفاقية اوسلو بين الفلسطينيين و الاسرائيليين عام ١٩٩٣!!

anyangjok@gmail.com

 

آراء