الرد على دعوى زنوجة الهوية والحضارة النوبية

 


 

 

sabri.m.khalil@gmail.com

تمهيد : تهدف هذه الدراسه الى الرد على دعوى ان الهويه والحضاره النوبيه حاميه ” زنجيه ” ، والتى يرتب عليها القائلين بها انكار علاقه الانتماء العربيه للشخصيه الحضاريه النوبيه ، من خلال بيان ان حاميه “زنجيه”
الهويه والحضاره النوبيه لم تكن قط محل اتفاق بين الباحثين، بل تعددت الآراء حول الأصل العرقى للنوبيين، واحد هذه أراء فقط يقول بان أصلهم العرقى حامى “زنجى”، بينما هناك أراء أخرى كثيره تقول بان أصلهم سامى وليس حامى ” زنجي” (مصري، اسيوى ” قوقازى”، شمال- افريقى ” نوبادى”…( .
والراى الراجح هو أن للنوبيين أصول عرقيه متعددة متفاعلة كثير منها سامى ” نتيجه المصاهره مع العناصر الساميه التى وفدت الى المنطقه عبر التاربخ “، وبعضها حامى “زنجي” . وبالتالى لا يجوز وصف الهويه والحضاره النوبيه بانها حاميه ” زنجيه ” خالصه فهى غير خاضعه للتصنيف العرقى ” اما حاميه او ساميه “،وهذه الحقيقه ماثله فى الخصائص الفسيولوجيه للشعب النوبى فى الحاضر وفى الماضى ” بالرجوع الى اثار الحضاره النوبيه الموجوده الان”.كما انه بفرض حاميه الاصل العرقى للنوبيين فان ذلك لا يلغى علاقه انتماء العربيه للشخصيه الحضاريه النوبيه ، لانها علاقه انتماء قوميه ذات مضمون لغوى ” مشترك ” غير عرقى ، ومضمونها أن اللغة العربية هي اللغة القوميه المشتركة بين الجماعات القبلية والشعوبية السودانيه، بصرف النظر عن أصولها العرقية ، أو لهجاتها القبلية ولغاتها الشعوبيه الخاصه ” ومنها الجماعات النوبيه”، والحديث هنا عن ليس عن اللغة العربية في ذاتها ، بل كلغة مشتركه متمثله في اللهجة السودانية ، كمحصله لتفاعل اللغة العربية مع اللهجات القبلية واللغات الشعوبية السودانيه القديمه “ومنها اللغه الشعوبيه النوبيه بلهجاتها القبليه المتعدده ” . ويتبنى هذه الدعوى- التى هى محل الرد من هذه الدراسه – مذاهب تختلف فى مقدماتها النظريه الى حد التناقض، ولكنها تلتقى فى نتائجها العمليه ” وتتناول الدراسه مذهبا الافريقانيه والقبليه العصبيه العربيه كامثله لهذه المذاهب ” ومضمون هذه النتائج العمليه محل التقاء هذه المذاهب ، الاخذ بموقف معين من قضيه الهويه النوبيه هو موقف الدمج أو الاذابه ، الذي يرى أن حلها يقوم على دمج الشخصية الحضارية النوبية الخاصة، في شخصيه حضاريه عامه وإذابتها فيها”هى الشخصيه الافريقيه فى المذهب الاول والعربيه فى المذهب الثانى”.
بينما الموقف الصحيح من قضيه الهويه النوبيه هو موقف “التمييز والارتباط “، الذي يرى أن حلها يقوم على الربط بين الشخصية الحضارية النوبية الخاصة، والشخصيات الحضارية العامة (الوطنية ، القومية ، الدينية،القاريه …)، مع تمييزها عنها . ويستند هذا الموقف على مذهب التحديد والتكامل “الوحدة والتعدد” ، الذي يؤكد علاقة الانتماء النوبية ، بدون إلغاء علاقات الانتماء الأخرى للشخصية النوبية. وهو الموقف الذى يتجاوز، الموقفين الخاطئين منها ، وهما موقف الاذابه السابق ذكره ، ويستند إلى مذهب الإلغاء ” الوحدة المطلقة ” ، والذي ينتهي- فعليا – إلى إلغاء علاقة الانتماء الحضارية التاريخية النوبية ، وبالتالي إلغاء الشخصية النوبية كشخصيه حضاريه خاصة . و موقف الفصل أو الانفصال ، الذي يرى أن حل القضية النوبية ، يقوم على فصل الشخصية الحضارية النوبية الخاصة ،عن غيرها من الشخصيات الحضارية العامة ، وانفصالها عنها . ويستند هذا الموقف إلى مذهب الإطلاق ” التعدد المطلق”، وهو المذهب الذي يتطرف في تأكيد علاقة الانتماء النوبية ، إلى درجه إلغاء علاقات الانتماء الأخرى للشخصية النوبية ...................................................

متن الدراسه التفصيلى :

اولا: مذهب الافريقانيه: يستخدم مصطلح “الافريقانيه ” بدلالات متعددة ، ونستخدمه في هذه الدراسة للدلالة على العديد من المذاهب التي تنطلق من إيديولوجيات مختلفة لدرجه التناقض “ماركسيه ، ليبراليه ” علمانيه “، شعوبيه ” انفصاليه”، ومذاهب تنسب نفسها للدين..” لكنها تخلص إلى ذات النتيجة ” الخاطئة ” ، وهى أن الأصل في علاقة الانتماء الافريقيه للشخصيات العامة الحضارية للأمم والشعوب والقبائل القاطنة في إفريقيا – ومنها الشعب السوداني – أنها علاقة انتماء اجتماعيه حضاريه . ووجه الخطأ في هذه النتيجة أن المضمون الرئيسى لعلاقة الانتماء الافريقيه هو مضمون جغرافي قاري ، وهذا يعنى أن الأصل فيها هو كونها علاقة انتماء جغرافيه قارية ، واما مضمونها الاجتماعي الحضاري فهو مضمون ثانوى، لان وجود قيم اجتماعيه وحضاريه مشتركه بين الأمم والشعوب والقبائل القاطنة في أفريقيا، لم يصل إلى درجه تحقيق وحده اجتماعيه وحضاريه بينها، بحيث تصبح أمه واحده .

افتراضات خاطئة: وينطلق هذا المذهب من عدد من الافتراضات الخاطئة ومنها:

ا/ المطابقة بين مصطلحي افريقى وحامى” زنجى”: وهو ما يتناقض مع حقيقة أن الجنس الحامي “الزنجي” يتوزع في كل قارات العالم – فى الغالب حول خط
الاستواء- كما أن قارة إفريقيا تضم بالاضافه إلى الحاميين، الحاميين- الساميين ( كالسودانيين ” او بالاصح كثير من الجماعات القبليه والشعوبيه السوادنيه ” والارتريين والصوماليين والإثيوبيين…)، والسامين “كشعوب العربية شمال القارة “، وحتى بعض الآريين ” ومنهم بعض الأوربيين الذين استوطنوا في جنوب إفريقيا وغيرها…” ، أما تقسيم سكان أفريقيا إلى محليين ووافدين ، لتبرير هذا التنوع العرقي في أفريقيا، فهو لا يصح إلا في حاله الحديث عن بعض الأوربيين الذين استوطنوا جنوب القارة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فان الشعب المصري افريقى الانتماء الجغرافي، رغم انه لا ينتمي إلى الجنس الحامي، فهو محصله اختلاط الشعب المصري القديم “الفرعوني”
السامي” مع العرب “الساميين”، فان جذوره ترجع إلى أربعه ألف عام .

ب/ علاقة الانتماء الافريقيه تلغى علاقات الانتماء الحضارية الأخرى:
فاقرار علاقه الانتماء الافريقيه فى هذا المذهب يقتضى مثلا إلغاء علاقة الانتماء القومية “العربية” للشعوب العربية المسلمة القاطنة في إفريقيا – وخاصة الشعوب التي تشكلت – من ناحية عرقيه – من خلال اختلاط العرب مع جماعات قبليه وشعوبيه غير عربيه” حاميه او ساميه –حاميه” كالسودانيين والصوماليين والارتريين…في حين أن علاقة الانتماء العربية- كما اشرنا اعلاه – ذات مضمون لساني – حضاري غير عرقي . كما تقتضى إلغاء علاقة الانتماء الدينية ” الاسلاميه ” لهذه الشعوب ، في حين أن الإسلام هو واحد من أكثر الأديان انتشارا في إفريقيا- بالاضافه إلى الدين المسيحي- فضلا عن أن علاقة الانتماء الاسلاميه ذات مضمون ديني- حضاري ، فالإسلام لا يقتصر على الإسلام كدين، بل يمتد فيشمل الإسلام كحضارة، وبالتالي فانه اذا كان الإسلام كدين يقتصر على المسلمين من هذه الشعوب ، فانه كحضارة يشمل المسلمين وغير المسلمين من هذه الشعوب، لانه مصدر لكثير من القيم الحضارية للشخصية العامة الحضارية “الوطنية” “المسلمة وغير المسلمة” لهذه الشعوب .

ج/ ليس للزنوجه دلاله حضاريه او اجتماعيه سلبيه او ابجابيه: او وفى كل الأحوال فانه يجب تقرير أن ألزنوجه هي استجابة فسيولوجية لمعطيات مناخ المنطقة الاستوائية ، تنتقل بالوراثة عبر حقب زمنيه طويلة ، وليس لها دلاله حضاريه أو اجتماعيه سلبيه (كما يدعى أنصار مذاهب التمييزالعنصري) أو ايجابيه (كما يدعى أنصار مذهب ألزنوجه كرد فعل على مذاهب التمييز العنصري)، فهي لا تشكل وحده اجتماعيه حضاريه، اى أن الزنوج ليسوا أمة واحدة، بل يتوزعون على أمم وشعوب وقبائل عدة في جميع أنحاء العالم .فضلا عن ان لفظ حاميين مصدره تقسيم علماء الأجناس البشر إلى ثلاثة أقسام :ساميين وحاميين وآريين؛ ولكن هذا التقسيم هو تقسيم لغوي وليس تقسيمً عرقيً فقط ، فقد ثبت أن هناك الكثير من الجماعات القبلية والشعوبية والقومية التي تندرج تحت إطار احد فروع هذا التقسيم من ناحية لغويه ، بينما لا علاقة عرقيه فضلا عن علاقة اجتماعيه أو حضاريه بينها ، كانتماء الأكراد والسيخ في الهند والإيرانيين والألمان إلى ذات الجنس الارى.المذهب ومحاوله اذابه الانتماء النوبي في الانتماء الافريقى أو الحامى الزنجي”: ويحاول هذا المذهب اذابه الانتماء النوبي في الانتماءين الافريقى أو الزنجي، وإلغاء خصوصيته كانتماء حضاري تاريخي .

الخلط بين الانتماءات المتعدده: ووجه الخطأ في هذه المحاوله انها تخلط بين الانتماء النوبي الذي هو في الأصل انتماء حضاري- تاريخي، والانتماء الإفريقي الذي هو في الأصل انتماء جغرافي قاري، و الانتماء الزنجي الذي هو في الأصل انتماء عرقي .

ا/ حيث أن تقرير إفريقيه الحضارة النوبية والجماعات الشعوبية النوبية ، يجب إن يلازمه تقرير أن مضمون علاقة الانتماء الافريقيه الرئيسي هو مضمون جغرافي – قاري كما اشرنا اعلاه.
ب/ وعلاقة الانتماء الافريقيه ليست علاقة انتماء عرقيه، إذ يوجد في قارة إفريقيا الحاميين (كسكان إفريقيا جنوب خط الاستواء) ، والحاميين/ الساميين (كالسودانيين ” او كثير من الجماعات القبيله او الشعوبيه السودانيه ومنها الجماعات الشعوبيه النوبيه”، والارتريين،
والصوماليين،والإثيوبيين…) ، والسامين (كالعرب شمال القارة) والآريين (كالأوربيين الذين استوطنوا في جنوب إفريقيا وغيرها…(.

ج/ كما أن تقرير زنوجه أو حاميه الجماعات الشعوبية النوبية ، يجب إن يلازمه تقرير أنها زنوجه وحاميه مختلطة او نسبيه ، وليست زنوجه خالصة أو مطلقه. لان الراى الراجح حول الاصول العرقيه للنوبيين – كما اشرنا اعلاه- هو أنهم ذو أصول عرقيه متعددة متفاعلة كثير منها سامى وبعضها حامى “زنجي”
، فهى غير خاضعه للتصنيف العرقى ” اما حاميه او ساميه “.

د/ ويؤكد هذا الاصل العرقى المختلط ان الحضاره النوبيه ظلت طوال مراحل تاريخها على علاقه مع الحضارات الساميه فى مصر والشام وشمال افريقيا”، واخذت هذه العلاقه شكل ايجابى احيانا”التجاره” وشكل سلبى احيانا اخرى “حرب”. بينما حالت معوقات جغرافيه ان يكون لها علاقه بالحضارت القبليه والشعوبيه الافريقيه جنوب خط الاستواء.

ه/اما الاحتجاج بوصف بعض علماء الاثار الغربيين للحضاره النوبيه بانها حضاره سوداء، فان وصف ” اسود” عند كثير من علماء الاثار والمستشرقين الغربيين ينطلق على كل ما هو غير اوروبى ” ارى” سواء كان حامى او سامى،لذا فان كثير منهم وصف الحضاره المصريه وغيرها من حضارات ساميه بانها سوداء.

المذهب ومحاوله إلغاء علاقات الانتماء العربية –الاسلاميه
للشخصيةالنوبية: كما أن هذا المذهب برتب على تقريره زنجيه الهويه والحضاره النوبيه إلغاء علاقات الانتماء القومية “العربيه”
والدينية”الاسلاميه”للشخصيه الحضاريه النوبيه ،لان هذا المذهب ينكر تحويل الإسلام للوجود الحضاري الشعوبي النوبي إلى جزء من الوجود الحضاري العربي الاسلامى، يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه. ويدل على هذا:

• دخول النوبيين في الإسلام ” فهم مسلمين بنسبه 100% “.
• رغم احتفاظهم باللغة النوبية الشعوبية القديمة بلهجاتها القبلية المتعددة كلغة خاصة . فانهم اتخذوا اللغة العربية لغة قوميه مشتركه مع الجماعات القلبيه والشعوبيه السودانيه الاخرى”بل حتى مع الجماعات القبليه النوبيه المختلفه لان لكل منها لهجه قبليه خاصه”.
• اسهام العلماء من اصول نوبيه في نشر الإسلام والثقافة الاسلاميه حيث نلاحظ أن انتشار الإسلام في السودان قد اقترن بمرحلتين:المرحلة الأولي تتمثل في دور العرب الوافدين الذي سبق السلطنات الإسلامية، وكان الإسلام فيها اسميا، إذ أن جل القبائل التي دخلت السودان (في تلك الفترة) كانت تسود فيها عادات وطباع البداوة ، إذ كان معظم العرب الوافدين في هذه المرحلة ممن قل حظهم المعرفي بالدين وأصوله.المرحلة الثانية:مرحله العنصر الوطني من النوبة المستعربين الذين اهتدوا إلى الإسلام، وهذه المرحلة هي مرحله أساسيه من مراحل نشر الثقافة الاسلاميه، ويدل على هذا أن عدد كبير من العلماء في هذه المرحلة ترجع أصولهم إلى هذا العنصر(حسن مكي، الثقافة السناريه المغزى والمضمون، مركز البحوث والترجمة، جامعه إفريقيا العالمية، اصداره15،ص20) (فضل الله احمد عبد الله، دولة ستار ودورها في تشكيل الثقافة السودانية،مجلة أفكار جديدة، عدد ابريل 2004.ص135-136(.
• تسمى النوبيين بالأسماء العربية مع احتفاظهم بألقاب نوبيه ، وهذه الظاهرة لم تظهر في العصور ألحديثه بل ترجع إلى العصور القديمة ، حيث تتحدث المصادر عن أن حاكم إقليم الجبل النوبي اسمه قمر الدولة كشى ، وعن بعض علماء المسلمين من النوبة، مثل: يزيد بن أبي حبيب، وذو النون المصري النوبي الأصل، وتحي النوبية الزاهدة، وغيرهم ممن تسموا بالأسماء العربية بدلاً من اتخاذهم الأسماء النوبية.كما عثر في منطقة مينارتي ـ شمال دنقلة ـ على كتابات عربية على شواهد بعض القبور تحمل أسماء عربية في القرنين الثاني والثالث الهجريين، وفي منطقة كلابشة ترجع إلى سنة 317هـ/ 927م.

مذهب العصبية القبلية العربية” الخلط بين مصطلحى عربى واعرابى”: وهو المذهب الذى يفهم العروبة – فى الطور القومى “طور الامه” – على أساس عرقي، وليس اساس حضارى – لغوي . فهو يتحدث عن العرب الحاليين كما لو كانوا سلاله عرقيه لعرب الجاهليه. ومرجع ذلك انه يخلط بين العرب في الطور القبلي ” ما يقابل الأعراب في القرآن الكريم ” ،والعرب فى الطور القومى ”
طور الامه” ، وبالتالى يخلط بين معيار الانتماء للطور الاول والاطوار السابقه عليه”كالاسره والعشيره.. “النسب او العنصر” ومعيار الانتماء الى الطور الثانى “اللسان”، وقد أشار الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى هذا المعيار في قوله (إنَّ الرب واحد، والأبُ واحد، والدَين واحد، وإنَّ العربيةَ ليست لأحدكم بأبٍ ولا أمّ، إنما هي لسانَّ، فمنْ تكلَّمَ بالعربيةِ فهو عربي)، وإذا كان بعض العلماء قد ضعفوا هذا الحديث من ناحيه الروايه ، فان علماء اخرين اقروا بصحته من ناحيه المعنى، يقول الإمام ابن تيميه ( … لكنَّ معناه ليس ببعيد. بل هوَ صحيح من بعض الوجوه. ..) (اقتضاء الصراط المستقيم(. ويستند هذا المذهب إلى مفهوم “النقاء العرقي”
، لكن هذا المفهوم وبفرض امكانيه تحققه على مستوى الاسره او العشيره ، فانه غير قابل للتحقق على مستوى الامه “الطور القومى” ، لانه لا توجد امه لم تتشكل من اختلاط العديد من الشعوب والقبائل . فهذا المذهب ينكر حقيقة اختلاط اغلب الجماعات القبلية السودانيه ذات الأصول العرقيه
العربية(السامية) بالجماعات القبلية والشعوبية السودانية ذات الأصول العرقيه السامية –الحامية ( كالنوبة والبجه) أو الأصول الحامية، يقول الشيخ على عبد الرحمن الأمين(…أثناء ذلك تم امتزاج الدم العربي بدماء البجه والنوبة والفور والحاميين النيلين والزنوج الإفريقيين وبعض العناصر الشركسية والتركية في أقصى الشمال وذلك بالمصاهرة والاختلاط حتى لا يستطيع الإنسان الآن أن يجزم بان هناك عربي يخلو دمه من قطرات من تلك الدماء غير العربية)(الشيخ على عبد الرحمن،الديمقراطية والاشتراكية في السودان، منشورات المكتبة العصرية، صيدا – بيروت،1970 ، ص22) ويقول د.محجوب الباشا (تشير اغلب الدراسات إلى أن القبائل المسماة بالعربية في شمال السودان”كذا” هم في الحقيقة مجموعه من العرب الذين اختلطوا بالقبائل النوبية المحلية فتولد عن ذلك العنصر الموجود الآن في اغلب شمال السودان(د.محجوب الباشا ،التنوع العرقي في السودان، سلسله أوراق استراتيجيه الخرطوم، طبعهأولى،1998،ص17( .كما أن هذا المذهب يجعل العلاقة بين الانتماء النوبي والانتماء العربي علاقة تناقض وإلغاء احتجاجا باللهجات النوبية المتبقية من الأطوار القبلية والشعوبية؛ في حين أن استعمال اللهجات، أو حتى اللغات القديمة – لا يلغي الاشتراك في استعمال اللغة القومية في كل الأمم.
المذهب و فكره الغاء الانتماء العربي للانتماء النوبي: وهذا المذهب يستند إلى فكره –خاطئه – مضمونها أن الوجود العام (القومي- العربى) يلغى الوجود الخاص (الشعوبي- النوبي). وهو يرتب على تقرير علاقة الانتماء القومية “العربيه” فى هذا المذهب ، إلغاء علاقة الانتماء الحضاريه التاريخية الشعوبية” النوبية”. ومرجع ذلك انه يجعل العلاقه بين الانتمائين النوبي والعربي علاقة تناقض وإلغاء، فهو ينفى علاقه الانتماء العربيه للشخصيه الحضاريه النوبيه ، استنادا إلى إن النوبيين ليسوا سلاله عرقية لعرب الجاهلية، في حين أن معيار العروبة هو معيار حضاري – لغوى وليس معيار عرقى –كما اشرنا سابقا – ، أو احتجاجا باللغة النوبية، في حين أن استعمال اللغات الخاصة، لا يلغي الاشتراك في استعمال اللغة القومية المشتركة، في كل الأمم، او اعتقادا منه ان علاقه الحضاره القوميه “العربيه” بالحضارات الشعوبيه السابقه عليه، علاقه تناقض والغاء ، بينما العلاقه بينهما هى علاقه تحديد وتكامل، فالحضاره العربيه- الاسلاميه حددتهذه الحضارات الشعوبيه السابقه عليها – كما يحدد الكل الجزء — فكملتها واغنتها ولن لم تلغيها.

الرد على بعض دعاوى المذهب:

• ان الشعب النوبى كان فى الاصل حامى”زنجى”، ولكنه تحول الى جنس حامى – سامى نتيجه اختلاطه بالجماعات القبليه السودانيه ذات الاصول الساميه ، وهذه الدعوى خاطئه من العديد من الاوجه ومنها:

ا/ ان الاصل العرقى السامى – الحامى للشعب النوبى قديم قدم التاريخ النوبى الذى يتجاوز 4000 عام،وهوتاريخ سابق بكثيرعلى تاريخ دخول العرب السودان.
ب/ ان اختلاط النوبيين بهذه الجماعات القبليه السودانيه ذات الاصول العرقيه العربيه – وخلافا للجماعات القبليه العربيه الوافده من مصر فى مراحل سابقه- جاء فى فتره متاخره جدا ” العصر الحديث “، نتيجه لرفض النوبيين مصاهره غيرهم من جماعات قبليه سودانيه حتى فتره قريبه جدا.
• دعوى ان العرب الوافدين من مصر اعتبروا ان النوبه زنوج احتجاجا بان اتفاقيه البقط نصت على أن “على النوبة تقديم عددا من الرقيق سنويا للحاكم المسلم في مصر”، وهو استدلال خاطىْ يتجاهل الحقائق التالية: ا/ أن هذا الشرط الذى كان سائدا في التعامل العسكري بين الدول في تلك الأزمان – بما فيها الدولة النوبية – رغم عدم اخلاقيته- كانت يطبق على الدول المهزومةبصرف النظر عن الاصلها العرقى لشعبها, وإذا كانت الاتفاقية لم تأتى نتيجة لهزيمة النوبيين بل بعد تعادل القوى بين الطرفين إلا أن الدولة العربية الاسلاميه كانت بمعايير ذلك الزمان تعتبر قوه دوليه صاعده .ب/ ان الاتفاقية حددت الرقيق الذي يقدم للحاكم المسلم فى مصر بأنه من الرقيق المستخدم في بلاد النوبة(من أواسط رقيق بلدكم).
• دعوى ان مصطبح “غير عربى ” يتطابق مع مصطلح زنجى ” حامى”، ووجه الخطا فى هذه الدعوى انها تفترض ان الجماعات القبليه السودانيه ذات الاصول العرقيه العربيه هى وحدها ذات اصول عرقيه ساميه ، وهذا غير صحيح فهناك جماعات قبليه وشعوبيه سودانيه ذات اصول عرقيه ساميه او ساميه حاميه “كالنوبه والبجا….”فغير العربى قد يكون حامى او سامى او حتى ارى.

طبيعة الحضارة النوبية : إن الحضارة النوبية هي حضارة شعوبيه ، وليست حضارة قبليه أو قوميه، اى أن النوبيون هم شعب تجاوز الطور القبلي ، واستقر على ضفاف النيل، ولكنهم لم يدخلوا الطور القومي ويشكلوا أمه خاصة، ويمكن التدليل على صحة هذا الراى بالرجوع إلى تاريخ الحضارة النوبية ومراحل تطورها ، حيث انه بتحول النوبة بكاملها إلى الإسلام اعتبارا من العام 1400 م ، كان الطور الشعوبي قد استنفذ الإمكانيات التي يمكن أن يقدمها للتطور الاجتماعي النوبي، ولكن هذا لا يعنى أن الوجود الحضاري الشعوبي النوبي قد انتهى ، بل تحول من وجود حضاري كلى عام ، إلى وجود حضاري جزئي خاص، يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه وجود حضاري عام : وطني (سوداني ” للقبائل النوبية في السودان” أو مصري” للقبائل النوبية في مصر”، أو قومي (عربي)، أو ديني (اسلامى)،… مع ملاحظه أن الوجود الاجتماعي – الحضاري النوبي الخاص ، قد عانى لاحقا من تخلف النمو الحضاري – شانه شان الوجود الاجتماعي الحضاري العام ” الوطني والقومي …” – نتيجة لعوامل
متفاعلة: داخليه “كالجمود والتقليد وشيوع التفكير البدعى”المتضمن للتفكير الخرافي والاسطورى” و الاستبداد…) وخارجية (كالاستعمار و التبعية والتغريب…). ولكن يجب تقرير أنه ساهم في تعطيل فاعليه هذا الوجود الحضاري الخاص ولكن لم يلغيه.

طبيعة اللغة النوبية: إن اللغة النوبية ليست لهجة ، لان لمصطلح اللهجة معنيين : المعنى الأول أنها نمط خاص لاستعمال ذات اللغة المعينة ( كاللهحه السودانية،المصرية،السورية… في استعمال ذات اللغة العربية)، وهذا المعنى لا ينطبق على اللغة النوبية لأنها ليست نمط خاص لاستعمال لغة أخرى مشتركه، والمعنى الثاني للهجة أنها لغة قبليه خاصة ، وهذا المعنى غير صحيح لان المجتمع النوبى تجاوز الأطوار القبلية منذ آلاف السنين . فهي لغة وليست لهجة ، لكنها ليست لغة قوميه مشتركه بين جماعات الشعوبية وقبليه متعددة، ولكنها لغة شعوبية خاصة بشعب معين” الشعب النوبي” ، تتفرع إلى العديد من اللهجات القبلية ، “تستخدمها القبائل النوبية”كالحلفاويون والمحس والسكوت والدناقلة… “.فاللغه القوميه المشتركه لها هى اللغه العربيه، شانها فى ذلك شان باقى الجماعات القبليه والشعوبيه السودانيه الاخرى.
_________
– للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة العنوان (http://drsabrikhalil.wordpress.com).
////////////////////

 

آراء